top of page
بحث

نستالوجيا !

  • Adnan Zahir
  • 30 أغسطس 2024
  • 3 دقائق قراءة

صباح اليوم أصابتني بدائها تلك الكلمة اليونانية المركبة، و لأنني لم أكن قادرا على منعها، فقد اطلقت لها العنان لتسرح و تمرح كما تريد، خاصة انها عرجت على أماكن حنينه على القلب درجت على زيارتها عندما أحط الرحال بالسودان.

سوق الموردة مطعم عماد العمدة

أصحوا مبكرا لأزور سوق الموردة أو ملجة السمك، عندما أدخل سوق الموردة أمر في البداية على دكان عبدالبارى الخضرجي لإلقاء تحية الصباح بعدها أواصل السير الى مطعم عماد العمدة الذى يكون مشغولا بترتيب مطعمه الصغير قبل فتحه لرواد تناول إفطار السمك الصباحى .عندما يراني يترك ما كان يفعله ثم يسرع الى القهوة المجاورة لخور الموردة ويقول ( ياخى انا منتظرك من بدرى بالقهوة ) !

اراقبه و انا أشرب القهوة و هو يقوم بعمل خلطة بهارات السمك السحرية، عماد العمدة رفيقى في هواية صيد السمك فقد كنا نستخدم زورقه الذى يشابه باخرة " البوردين " عمرا و شكلا التي سجن فيها الطلبة الحربين في العام 1924 ، و قد تحصل عليه في مزاد عندما قامت حكومة المخلوع عمر البشير بتفكيك النقل النهري كما فعلت بالخطوط الجوية السودانية ، الخطوط البحرية و انتهاءا بمشروع الجزيرة و كل القطاع العام. فنجان قهوة الصباح عند عماد العمدة كان له طعم ناس سوق الموردة ودهم و صدورهم المفتوحة و المرحبة لكل قادم الى ذلك السوق العتيق.

دكان صديقي محمد خالد في سوق أمدرمان الكبير

عند منتصف النهار أزور دكان الصديق محمد خالد بغرض التبضع و الونسه الظريفة في السوق الكبير، التي تفوح من العاملين فيه " ريحة " أمدرمان . الدكان أصبح يديره ابنه الأكبر خالد و أكتفى محمد بالعمل في " الدقاقة " في المنطقة الصناعية. تلك الرقعة من السوق تسمى بسوق " التشاشه " و تباع فيها جميع البهارات بكل أشكالها و أنواعها و قد تعودت على رائحة البهارات بما فيها الشطة الحارقة.

في هذه المنطقة يقع زنك اللحمة و الخضار و شمالها سوق الطيور. بالتردد هنالك أصبحت أعرف معظم العالمين في المنطقة ستات القهوة و الكسرة....الحدادين و السمكرجية ....بتاعين الخضار و اللحمة و حتى صانعى الأحذية و المراكيب و ناس الذهب. خالد ود محمد كان لبقا و محدثا بارعا ...كان يحكى لى كثير من قصص السوق و هو يقوم بتحضير ما اتيت لشراءه ، فقد كان حافظا لتاريخ السوق الذى سمعه عن جده خالد الذى سمى باسمه. وسط تلك الحكاوى التي يشترك فيها احيانا بعض التجار في المنطقة نحتسى عددا معتبرا من كبابي القهوة و الشاي.

مكتبة عبد الكريم ميرغني

من أهم المشاوير أن أقوم بزيارة مكتبة عبدالكريم ميرغنى لشراء للتبضع من الكتب و لزيارة الصديق كمال عبدالكريم الذى كان يقوم بمنحى كل الجديد في سوق الكتب فهو قارئ و مثقف بامتياز فقد كان يسألنى عن بعض الكتب و هل قمت بقرأتها و عند النفى يقوم مسرعا باحضار الكتاب و كان يصر على عدم دفعى لقيمة الكتب و لكنى حسمت المسألة بشكل حازم و هي في حالة عدم دفعى لن أتى مرة أخرى للمكتبه. عندما شعر باصرارى وافق على أن يقوم باهدائى كتاب أو كتابين و كان الاهداء على الدوام كتابين !!

هنالك سبب آخر يدفعني للذهاب لهذه المكتبة عند الثانية ظهرا، فقد كان تلك مواعيد صحن الفول " المظبط " الذى يقومون بتحضيره للفطور الجماعي، و الذى لم اتذوق مثله منذ أيام الفوال أبو العباس في الخرطوم !

مطعم البربري بالخرطوم

أقوم في العادة بجولة في محلات الكتب المفروشة في شارع الجمهورية لعلني أجد أحد الكتب النادرة و قد كنت محظوظا على الدوام، و قد تكونت لدى صداقات مع أصحاب تلك الكتب و كان معظمهم قد أحيل الى الصالح العام بواسطة نظام الديكتاتور المخلوع عمر البشير و كان البعض منهم يحتفظ لى بالكتب التي تناسب اهتمامي.

اعرج بعد شراء الكتب الى مطعم البربري الذى يقع بالجوار لتناول وجبة من السمك التي أشتهر بها المطعم. لكن ما لفت نظري انه أصبح يبيع فقط سمك البلطى و توقف عن عمل سمك " الدبس " الذى اشتهر به و عندما سألت المسئول عن المطعم لماذا توقفوا عن بيع " الدبس " كان جوابه الآتى (  قًطّ كما قًطّ كل شي في زمن الأنفاذ ) !

دار الوثائق

في رحلتي الأخيرة للسودان قبل قيام الحرب كنت أزورها مرتين في الأسبوع فقد كنت أبحث في الوثائق عن تاريخ بعض التنظيمات الاجتماعية السياسية، و قد أحزنني كثيرا حال الدار. يبدوا ان الدار أهمل عمدا فالصحف القديمة عندما تقوم بتصفحها تتمزق بين الأصابع من سوء الحفظ ، و الأنقاذ كأبنها الجنجويد الذى خرج من رحمها هم أعداء للمعرفة و التاريخ. الجنجويد قد اجهزوا على ما تبقى منها.

كانت تلك هي السياحة النوستالجية التي فرضت نفسها على في الصباح الباكر، لكننى بعدها احسست براحة عجيبة و يقين ثابت بأن السودان سيعود بسواعد شبابه أعظم مما كان.

 

عدنان زاهر

أغسطس 2024

 
 
 

أحدث منشورات

عرض الكل
امرأة " قوس- قزحية " !

امتطى مترو الانفاق و أنا في طريقي للعمل، انسرب منه خارجا في محطة " ينج " ب ( الدوان- تاون ) لأمضى بقية الطريق راجلا. في احدى المرات و أنا...

 
 
 
ازدواجية المعاير و التطفيف !

1   مدخل قرأت مقال لنصر الدين عبد الباري بعنوان ( سلطات الامر الواقع السودانية ضد الأمارات العربية المتحدة : نفاق مؤسسة إبادة جماعية )، و...

 
 
 

Comments

Couldn’t Load Comments
It looks like there was a technical problem. Try reconnecting or refreshing the page.
bottom of page