top of page
بحث

من حكاوى الموردة - عندما أخذت رهينة !

  • Adnan Zahir
  • 14 يناير 2022
  • 4 دقيقة قراءة


قهوة محمد خير من القهاوى العريقة فى سوق الموردة، فى ذلك الزمان كانت القهاوى منتدى يؤمه الناس فهى متنفس للدردشة، شراب القهوة سادة أو الشاى باللبن " المقنن "، لعب الكشتينة و معرفة أخبار الحى و أمدرمان عموما.أشهر القهاوى فى أمدرمان فى النصف الثانى من القرن العشرين فى سوق أمدرمان الكبير كانت قهوة ود الأغا ،جورج مشرقى ، شديد و قهوة يوسف الفكى،لكن أشهر القهاوى فى سوق الموردة كانت قهوة والدى محمد خير.....يواصل " الجاسر " ذكرياته.....

فى البداية كان موقع القهوة مكان " بار " حليم المواجه لملجة السمك،الذى أصبح فيما بعد مطعم بأسم " مطعم ترينتى " لصاحبه أدريس " النوباوى "، وأسم المطعم يرجع لفيلم مشهور من أفلام " الأسباجاتى " الأيطالية التى كانت تسود ساحات السينما فى منتصف ستينات القرن الماضى و ترينتى هو أسم البطل فى ذلك الفيلم.

انتقلت القهوة بعد ذلك الى دكان الليمون الحالى الذى يفتح على زلط شارع الموردة و يواجه من الشمال خور سوق الموردة و شرقا حديقة الموردة و كان هذا الدكان فى يوم من الأيام بوستة الموردة القديمة قبل أن يتحول لدكان الترزى المناضل " مكى تالو " الذى رحل مبكرا.

انتقلت القهوة للمرة الثالثة بالقرب من دكان " السبكى " الشهير لبيع السمك من ناحية الجنوب الغربى،كان من ضمن النشاطات داخل القهوة لعب الكتشينة و كان اللعب بمقابل " قمار ".

العاملين بالقهوة ينقسمون لثلاث فئات و لكل عمله المختلف،و هم الفتوات، عمال الأستدراج و الركيبه. الفتوات مناط بهم حفظ النظام داخل القهوة و لو أدى ذلك لأستعمال العنف البدنى و هما بمفهوم العصر الحالى يماثلون " البودى غارد "، كانوا قوى الأجساد مفتولى العضلات و مهابين فى المجتمع " التحتانى " لمدينة أمدرمان. أشهرهم على الأطلاق كان " الجاكومى " و " ترس البحر " و كان يؤتى بهم من خارج المنطقة و الحى..... حتى لا يقعوا فريسة المجاملة و التعامل الخاص فى فض المنازعات و المعارك التى تنشب عند لعب الورق !

الفئة الثانية و هما بعض من عمال القهوة، مهمتهم الأساسية تنحصر فى استدراج رواد السوق بطرق مختلفة للعب الكتشينة و المغامرة داخل المحل.....و يختار من العمال الأكثر لباقة و اقناعا ......كانوا بارعين فى انتقاء و اختيار الأشخاص المتطلعين للربح السهل السريع و خاصة العامل " الوجيه النجيض ".....ذلك هو الأسم الذى يطلق عليه !!


الفئة الثالثة الركيبه و هى أهم تلك الفئات، يفترض فيهم الجسارة و المهارة و الخبرة فى اللعب، قوة الشخصية و برود الأعصاب.يقوم صاحب المقهى بتمويل الركيب للعب، و الخسارة و الربح على صاحب المقهى و يأخذ الركيب فى نهاية اليوم نصيبه من الربح.أشهر ركيبة القهوة فى ذلك الزمن كان درمة الملقب ب " الثعلب " و " حسن الأرقط " والذى يطلق عليه احيانا حسن " المسيخ ".

يترك اللاعب المستدرج يكسب كثيرا فى البداية ثم بعد ذلك تبدأ خسارته تدريجيا حتى يصبح معدم النقود..... و فى حقيقة الأمر ليس لأى لاعب غير المحترفين فرصة للكسب مع مثل هؤلاء الركيبه.عند احتجاج اللاعب بانه تم الأستيلاء على نقوده عن طريق الغش دون دليل مادى يثبت ادعاءه ....هنا يتدخل الفتوات لاقناع اللاعب بطريقة هادئة بعدم صحة ادعائه....عند الاصرار يؤخذ بالقوة و يرمى خارج القهوة ....عند العناد و العودة مرة ثانية يضرب ضربا مبرحا حتى لا يسطيع معاودة السوق مرة أخرى.

كان هنالك اثنين من ناس الموردة و رواد السوق و القهوة مهابين....و هم أصدقاء لصيقين، معترف بهم انهم من أصحاب " الباع الطويل "....ذلك الأعتراف يأتى فى العادة بعد الأنتصارات فى شتى مجالات المعارك فى المدينة، الشخصين هما صافى الملقب ب " مانو " و صديقه " الكرار "...... الأول يعمل سائقا فى أحد وزارات الحكومة و الآخر يعمل فى تشيد المبانى.

فى ذلك اليوم حضر " مانو " من دون رفقة صديقه الكرار للقهوة .......بالطبع لا يستطيع أحدا استدراجه و قام من تلقاء نفسه بالمشاركة فى اللعب.المهم بعد صولات و جولات فى اللعب، فقد " مانو " كل نقوده و كانت خمسة و عشرين قرشا....هذا المبلغ بمعايير ذلك الزمن كان كبيرا و لا يستهان به.

ضرب مانو أخماس فى أسداس و يبدوا أن ذلك المبلغ كان آخر ما يملك.... لذلك طلب أرجاع نقوده. رفض الطلب بناء على أنه لعب من تلقاء نفسه و لم يجبره أحد على ذلك ،و أن اللعب كان نظيفا و لم يقم أحد بخداعه....كما أضافوا انه كان " سئ الحظ " !

عرف مانو أن لا مجال لافتعال معركة مع تلك الحيثيات القوية،خرج غاضبا و هو يضمر الشر.

يواصل الجاسر ذكرياته.....كنت فى ذلك الوقت فى السادسة أو السابعة من عمرى لكنى كنت طفلا " مدردحا " من القعاد فى القهوة و السوق، و كنت ذلك اليوم كعادتى ألعب فى السوق ليس بعيدا من قهوة والدى. رأيت مانو يأتى نحوى و يقول لى ان والدى قد طلب منه أن أذهب معه الى المنزل لأحضار " وصية " خاصته، و لأنى أعرف مانو من حضوره المنتظم للقهوة و انه من سكان الحى فقد صدقت كلامه.

ركبت معه العجلة التى يملكها حتى منزلهم فى فريق " ريد "،ادخلنى الى المنزل ثم أمر شقيقته الكبرى المتواجدة، أن تطعمنى و من ثم مراقبتى و منعى من الخروج حتى احضار " الوصية " لوالده. أكلت طعامى و صرت ألعب منتظرا مانو حتى أحضاره الوصية و أخذها الى أبى.

كما علمت لاحقا..... رجع مانو الى سوق الموردة ووجد الكل يبحث عن ابن صاحب القهوة المفقود.كانت هنالك فى ذلك الزمن أشاعة منتشرة و سط المجتمع بأن هنالك اشخاص فى المجتمع يسرقون الأطفال و يقومون ببيعهم.....الشخص الذى يقوم بذلك العمل يطلق عليه المواطنين اسم " السماوى "!

بعد فترة من الزمن قضاها مانو متسكعا فى السوق و هو يستمع الى أراء الناس فى اختفاء الطفل، أتى الى والدى و أخبره بأن الطفل معه فى مكان آمن، و مستعدا لاحضاره اذا قام والدى بارجاع الخمسة و عشرين قرشا التى فقدها عند لعب الورق، لا أدرى ما دار من حديث و مفاوضات و لكن مانو أتى للمنزل و أعادنى للقهوة.

عرفت أن والدى أرجع الى " مانو " نقوده لكنه حلف مغلظا أن لا يلعب مانو مرة أخرى كتشينه فى قهوته....و قد تم ذلك.

ظللت ألعب كالعادة كل يوم أمام القهوة و السوق يمور بحركة الناس التى تشتد ساعة الظهيرة ، أراقب عمال القهوة فى محاولاتهم الجريئة و المستميته لاستدراج بعض من رواد السوق للعب الكتشينه، و من ثم الصافى الملقب ب " مانو " يتردد الى القهوة و السوق بشكل " عادى "....... كأن شئيا لم يحدث !!!!


13-1- 2022

 
 
 

المنشورات الأخيرة

إظهار الكل
مهرجان تورنتو السينمائي 2025

TIFF تجرى في مدينة تورنتو في الرابع  و حتى الرابع عشر من هذا الشهر – سبتمبر، فَعالية مهرجان تورنتو السينمائي المعروف باسم ( تِف ). في هذا...

 
 
 
جزيرة ( ساونا )

Saona  Island 4   تقع ( جزيرة ساونا ) عند الطرف الجنوبي الشرقي للدومنيكان داخل البحر الكاريبي، و تعتبر جزء من منتزه الشرق الوطني.  للقيام...

 
 
 

تعليقات


bottom of page