سمكة و ذكريات !
- Adnan Zahir
- 2 أكتوبر
- 3 دقيقة قراءة
البحيرة الممتدة بعرض و طول الأفق لا تشابه نهر النيل في شيء غير المياه، و حتى تلك المياه ليست عزبه كمياه نهر النيل. كان امتداد البحيرة الذى يتقاطع و خط الأفق مثل مرايا لامعة تعكس بهاء السماء. قال لنفسه اعرف ان جزيرة توتي تقاطع و تقف حائلا امام حد البصر و انت تنظر اليها من الغرب بالقرب من حديقة الريفيرا، و لكن خضرة الجزيرة و جمالها تجعلك تنسى انها العامل المباشر في حجب بصرك عن مشاهدة الأفق البعيد.
هبت رياح خفيفة جعلت امواج صغيرة تضرب الشاطئ في لطف و رقة ، أحضر مقعد الصيد العتيق الذى شهد معه صولات و جولات و جلس عليه وهو يشاهد الموجات تصطدم بحواف الشاطئ ثم تنزوي و تموت، لتأتى موجة أخرى مكانها في انضباط عجيب اندهش له. فجأة هجمت امدرمان عليه بكل ثقلها و جبروتها، كما تفعل عادة، عندما تصاب بالملل و الضجر و تحاول الفضفضة لتزيح حزنها الدفين.
امدرمان الساحرة تحولت و تقمصت شكل الموجات، الأولى التي أتت الى الشاطئ نحوه في هدوء عجيب كانت تجسم صورة الشلة و هم جلوس امام منزل ( الجنرال ) الراحل يحتسون شاي العصريات مع اللقيمات اللذيذة التي تم ادمناها و المجلوبة من حجة ( نعيمة ) الجالسة بقرب مستشفى الولادة او الدايات، تكاد ان تشرقهم الضحكات و هم يستمعون الى سخريات و قصص الدابى التي لا تنتهى و لا يملون سماعها. او المعارك المحتدمة بين الفيلسوف و الناظم المستمرة و المتكررة، الدابى كان على الدوام متحفزا لا يكف عن مشاكسة الفيلسوف اذا سنحت له الفرصة.
قبل انتهاء جلسة الأنس مع الأصدقاء جاءت الموجة الثانية و على قمتها تجلس زوجته الراحلة انصاف كعروس البحر قالت له بحنية ( الا زلت تمارس هوايتك القديمة و كمان ما قابض و لا سمكايه ) ؟!
قبل الإجابة عليها أتت الموجة الثالثة مسرعة لاهثة، كأنها تقصد انهاء التواصل الذى أعاد كل ذكريات الحزن القديم . كانت الموجة الثالثة هادرة كبيرة الحجم و تحمل في داخلها شتات ذكريات مختلفة لا رابط بينها....سوق التشاشة و ست الكسرة الذى دوام على شراء كسرة البيت منها، ابن صديقه التشاشي و هو يحكى عن تطور السوق الكبير و القصص التي رواها له جده، " جلسة " المساء امام المنزل في انتظار " طيارة الممنوع " التي تأتى في تمام السابعة مساءا، جلستهما هو و صديقه في الريفيرا يحتسيان القهوة و امرأة تجلس بمفردها على مائدة بقربهما تدخن " الشيشة " في هدوء و أمان حتى دون الانتباه لهما ...و إصرار صديقه الذهاب للحديث معها لولا المنع الحازم من جانبه، عم أحمد صديق الطفولة، الصبا و الكهولة و هو يشوى البلطي للفطور و هو في انتظاره لأخذه للمنزل، و بعض من بنات جامعة القرآن الكريم متجمعات كالنحل ينهشن في صحن ( بوش بليلة عدسية ) بعد أن عز عليهن شراء " بوش " الفول !!
انكسرت الموجة الثالثة امام الرابعة التي جاءت و تجلس أعلاها شقيقته زاهية و هي تقوم بإعداد مائدة " غدا " الجمعة المزين بحضور كل العائلة....مكرونة بالفرن، صنيه سمك بالزبيب ، بامية مفروكة ، سلطة مكتملة الخضار مع حلو كريمة للتحلية أو كيكة قامت بإحضارها و اعدادها سلومة بت فهيمة ....قطع مضغ ذلك الطعام الشهي و " اللمة " المحضورة هدير الموجة الخامسة التي أتت تحمل مزيج ذكريات من الماضي البعيد مشوشة غير واضحة الملامح !
قرر التوقف عن تعداد الموج ، و قطع شريط الذكريات و الذهاب مبكرا الى المنزل خاصة ان المساء قد قرب مجيئه. شرع في " لم " عدة الصيد و أشيائه الصغيرة، عندما ظهرت من الماء قرب الشاطئ سمك متوسط الحجم و مخاطبة له في صوت واضح جلى ( عليك الله بدل تمشى فاضي البيت أقبضني ) !!
اندهش لجرأتها و تحديها له، لكن نظرا لاعتداده بنفسه رفض أن يكون صيده و عشاءه " صدقة " من سمكة !! واصل في جمع اشيائه.... عندما رأت السمكة تجاهله غاصت مرة أخرى في مياه البحيرة. عند مغادرته البحيرة متجها الى المنزل شعر بالزهو و الأهمية لأنه امتلك القدرة على منح صخب الحياة و سكون الموت بالعفو عن تلك السمكة اللعوب !!
عدنان زاهر
1 أكتوبر 2025

تعليقات