top of page
بحث

سقوط الطغاة و ارادة الشعوب !

  • Adnan Zahir
  • 28 ديسمبر 2024
  • 3 دقائق قراءة

 

كثير من الآراء طرحت فيما حدث و ما سوف يحدث في سوريا، بالطبع الكل أسس رأيه انطلاقا من معتقداته الفكرية و السياسية ، قد نجد في البعض منها قدر من الصحة أو الخطأ في التحليل و الوصول الى النتيجة ، ذلك التباين في الآراء دفعني لمحاولة الأدلاء بدلوي في الموضوع.

لكنني قبل ذلك أود أن أحكى قصة حدثت لي شخصيا ابان انتفاضه السودان الشعبية عام 1985 التي أدت الى سقوط الديكتاتور جعفر النميري، و قد تساهم القصة في توضيح ما اريد ايصاله و ذلك من خلال سرد تلك التجربة المباشرة.

كنت أجلس مع صديقين من أعز الأصدقاء نتناقش عما ستؤول اليه أحداث الثورة المندلعة لعدة أيام في السودان ، فجأة سمعنا بأن القائد العام للجيش السوداني ( عبد الرحمن سوار الدهب ) سيذيع بيانا هاما، و بالطبع  كان بيانه مثل كل بيانات الانقلابات العسكرية المعروفة في العالم و السودان تحديدا ، كان ذلك صباح 6   أبريل 1985  . توصلنا بعد نقاس ثر بيننا و بعد تقليب الأمور أن ما قام به سوار الدهب هو انقلاب عسكري يستهدف سرقة الانتفاضة و منعها الوصول الى غاياتها ..... لقد كان تحليلنا سليما بما أثبته وقائع التاريخ بعد ذلك .

( بعد دقائق من بيان سوار الدهب اندلعت المظاهرات العشوائية مالئة شوارع أمدرمان، كانت الاحتفالات احتفاءا بسقوط الطاغية الديكتاتور نميري.....لم تكن نتيجة لعمل حزبي منظم بل كان خروجا عفويا. قررنا ثلاثتنا الذهاب لمشاهدة تلك المظاهرات القادمة من شمال و غرب أمدرمان في طريقها الى الخرطوم عن طريق شارع الموردة. كانت آلاف المتظاهرين يجرون بشكل منتظم غير سريع مع ترديد الهتافات و الأغاني الثورية مع ربط الشباب رؤوسهم بعصابات حمراء، كانت شكل و مثل تلك المظاهرات لم نره من قبل خاصة نحن ثوار أكتوبر، لقد استجلب هؤلاء الشباب المندفعين تجربة جنوب افريقيا و مانديلا العظيم . كنا نشاهد تلك الجموع من مكان غرب شارع الموردة بالقرب من مطعم ( عوضيه للأسماك ) الحالي ، فجأة اندفع صديقي مخاطبا الجماهير قائلا ( انا ما حدث هو انقلاب عسكري يحاول سرقة الثورة ) !

وقفت الجموع المندفعة فجأة و مندهشة .....ثم صرخ أحدهم بصوت مرتفع ( بتاع أمن ) !... و مشيرا الى بطاقة في جيب صديقنا و كان يرتدى فيها ملابس العمل .......صديقنا كان يعمل في احدى المؤسسات الحكومية التي تفرض على العاملين زيا مميزا. ألجمتنا الدهشة.......خاصة عندما حاول البعض التحرش به. لا أدرى من أين واتتنى الفكرة و لكنى تقدمت و خاطبت من هم في المقدمة بأن صديقي ( ليس ضابطا في الامن ) ....سألني أحدهم مزمجرا ( من أنت ) قلت له انا محامى و هذا صديقي ....كنت أعلم مدى احترام الجموع للمحامين في ذلك الوقت - لمشاركتهم الفاعلة في الانتفاضة -    .....سألني أحدهم عن بطاقتي فأعطيتها له دون تذمر.... ....ثم أخذ بطاقة صديقي و بعد التأكد من البطاقتين و معلوماتها أرجعهما لنا .... ثم مخاطبا لنا بصوت آمر بالابتعاد عن طريق المظاهرة....بالطبع ابتعدنا سريعا و نحن نحمد الله على ( الخروج الآمن )... ....ذلك الوقت كانت السلطة للجماهير و الشعب ).

2

 

في العادة تندلع الثورات بعد معاناة شديدة للشعوب ، ضيق و ظلم و تردى في الحياة تصبح الشعوب لا قدرة لها على العيش تحت وطأته، لذلك عندما تعلم الجماهير بان النظام الذى تسبب في كل تلك المآسي التي عاشتها قد سقط فإنها تخرج للشوارع دون دعوة، للابتهاج و الفرح و تعبيرا عن الانفكاك من الكابوس الجاثم على صدرها. ذلك يعنى ان تصرف صديقنا كانت تنقصه القراءة العميقة لظاهرة تلك الجماهير و هي تهدر في الشوارع ابتهاجا بالانعتاق من ذلك النظام  السيئ و قائده المعتوه ، بالرغم من علم البعض منها أن ما قام سوار الدهب هو انقلاب مثله و مثل بقية الانقلابات في العالم، بل اثبتت الوقائع انه الأسوأ ،لأنه مهد الطريق للإخوان المسلمين للانقضاض على السلطة في العام 1989 .

3

لا شك ان تجربة نظام الحكم في سوريا الأسد تختلف في بعض التفاصيل عن تجربة النميري في السودان، لكن مع ذلك تظل الجماهير التي تم تعذيبها لعدة عقود هي نفس الجماهير، ونفس احساسها بالظلم و الانعتاق منه. عندما نشاهد الصور و الوقائع عما كان يفعله بشار الأسد بشعبه، نجد أن الجماهير محقه في خروجها للاحتفال بزوال نظام بشار الأسد، برغم تصدر ( الدواعش ) للمشهد .

هنالك بالطبع مسألة مهمة يجب الانتباه لها في تاريخ الثورات و هي امكانية سيطرة فصيل من الثوار على الثورة، يحدث ذلك لعدة أسباب ...منها حمل الفصيل و حيازته للسلاح....التنظيم الجيد ....الدعم من الخارج...الخ

من وجهة نظري تلك سيطرة مؤقته تزول بعد عدة أيام، عندما يزول الفرح العارض و تنتبه الجماهير لشئون ثورتها الملحة، في ذلك الوقت تكون الجماهير قد اختارت المواجهة و الصدام مع الفصيل المسيطر الذى يطمح في توجيه الثورة لخدمة مصالحه أو مصالح من قاموا بدعمه من الخارج........يثبت التاريخ ان الشعوب هي المنتصرة و لا يستطيع أحد سلبها و تطويعها على غير ما تريد ....الجماهير فقط تعرف ما تريد و كيفية الوصول اليه...... أذن ليس هنالك ضرورة لتعليمها لتصل لمرادها !!

 

عدنان زاهر

ديسمبر 2024

 
 
 

أحدث منشورات

عرض الكل
امرأة " قوس- قزحية " !

امتطى مترو الانفاق و أنا في طريقي للعمل، انسرب منه خارجا في محطة " ينج " ب ( الدوان- تاون ) لأمضى بقية الطريق راجلا. في احدى المرات و أنا...

 
 
 
ازدواجية المعاير و التطفيف !

1   مدخل قرأت مقال لنصر الدين عبد الباري بعنوان ( سلطات الامر الواقع السودانية ضد الأمارات العربية المتحدة : نفاق مؤسسة إبادة جماعية )، و...

 
 
 
استثمار المآسي !

الحرب "  المنسية " في السودان من قبل الاعلام العالمي و المستمرة لمدة عامين، واحد من تأثيراتها السلبية و النفسية التي أصابتني بها قد...

 
 
 

Kommentare


bottom of page