top of page
بحث

سَلب العدالة من المواطن !

  • Adnan Zahir
  • 3 يونيو
  • 4 دقائق قراءة


تفاجأ الشعب السوداني و خاصة المهتمين بشئون العدالة في السودان، بقرار " عجيب " صادر من " وزير المالية " !!.. وبموافقة النائب العام بفرض رسوم على الدعاوى الجنائية، و هو قرار ليس فقط يتعارض مع حقوق المواطن في الحصول على العدالة الجنائية دون رسوم، بل أيضا يتعارض مع القوانين المحلية و الدولية الموقعة عليها من جانب السودان، كما يتعارض أيضا مع الحس و الوجدان السليم.

 لذلك ليس صدفة أن وجد معارضة من كافة المشتغلين بالقانون ، لا سيما لجنة تسير نقابة المحامين بالإضافة للاستهجان من المهتمين بتحقيق العدالة و توطين القانون. سنحاول في هذا المقال مناقشة هذا القرار الجائر، تفنيده و اظهار عيوبه التي تتعارض مع جوهر و روح العدالة .

1

القانون المحلى

- ابتداءا أقول ان إقامة دعوى جنائية بالإضافة الى انها حق شخصي للمواطن فهي أيضا حق عام تقوم الدولة بتوفيره لأنها تتعلق بالمصلحة العامة و النظام العام، حماية للمجتمع والاقتصاص من الذين يعتدون على القانون وعلى الآخرين، بمعاقبتهم و جبر الضرر.

 تلك الحماية و توفيرها للمواطن، من المفترض أن تتم دون أعباء مالية على المجنى عليه أو الضحية و الذى يقوم بفتح البلاغ كما يحدث عادة في معظم دول العالم .  فرض رسوم على البلاغ الجنائي يعتبر خرقا للعدالة و اخلالا بها، كما يعتبر انتهاك لحق الفئات الفقيرة في التقاضي.

- بنص الوثيقة الدستورية المعيبة التي تم خرقها أكثر من مرة و فقدت قانونيتها بعد الانقلاب على الحكومة الانتقالية و التي لا زالت تعمل بها حكومة بورتسودان ، فحتى تلك الوثيقة المعيبة تنص على مساواة كل المواطنين امام القانون، لذلك فرض أي رسوم على البلاغات الجنائية يسلب المواطنين ذلك الحق و يخصصه للمستطيع فقط، كما ان العدالة لا يمكن شراؤها بالنقود لأن ذلك يخل بميزان و مبدأ العدالة للجميع. أيضا و كما هو معروف فان المواثيق الدولية هي جزء مكمل للتشريعات الوطنية و التي تنص  في جوهرها على القوانين الأساسية لحقوق الانسان ،مجانية العدالة الجنائية جزءا منها، و محاولة سلبها أو الالتفاف عليها يعنى مخالفة للقانون الدولي.

- النائب العام لا يملك الحق في اصدار قرارات في غياب المجلس التشريعي الذى نصت عليه الوثيقة الدستورية المعيبة هذا من جانب، أما من الجانب الآخر فانه لا يمكن الطعن في تلك القرارات حين اصدارها نظرا لغياب المحكمة الدستورية !!!

2

القوانين الدولية

- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و الذى اعتمدته الأمم المتحدة في 16 ديسمبر 1966 و صدق عليه السودان في العام 1986   يشير بوضوح الى حق الضحايا في الحصول على العدالة، وان يعامل الضحية بكرامة و على قدم المساوة امام المحاكم كما ورد في نص المادة 14 – 1 من ذلك العهد ، والتي تشير الى أن الجميع سواسية امام القانون بكلمات أخرى، أن فرض رسوم في حالة الدعاوى الجنائية قد تجعل الضحية او الشاكي عاجزا عن دفعها،  يؤدى الى تعويق العدالة و حرمان البعض من حقوقهم أو تعويضهم و جبر الضرر الذى احاق بهم مما يعنى عدم العدالة و المساواة بين المواطنين.

- جاء في ( اعلان المبادئ الأساسية للعدالة لضحايا الجريمة و إساءة استخدام السلطة ) الذى اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب القرار 34 – 40 بتاريخ نوفمبر 1985 ...تمكين الضحايا من الوصول بسهولة الى  العدالة والانصاف دون تمييز ، ذلك يعنى دعم الضحايا و عدم تهميشهم داخل الأنظمة القانونية المختلفة للبلدان، مع إرساء  آليات فعالة للتعويض و المساءلة.

3

في الدول التي تعمل على الفصل بين السلطات و استقلال القضاء لا تفرض رسوما على إقامة أو قيد دعوى جنائية، لأن ذلك يخل بمبدأ العدالة المجانية لكل مواطن، يهدد مبدأ المساوة أمام القانون ،كما أن ذلك يفتح مجالا للفساد داخل الأجهزة العدلية. بالإضافة الى كل ذلك فتوفير العدالة هي من مسئولية الدولة لحماية المواطن و المجتمع من الجريمة.

نورد بعض الأمثلة لتبيان كيف تحاول الدول تحقيق العدالة لمواطنيها و في ذلك تهدف الى تحقيق الامن في المجتمعات ،لأن الدول التي تطغى في اروقتها الجريمة لم و لن تتطور الى الامام ابدا

في كثير من دول العالم لا تفرض رسوم على الدعاوى الجنائية، ففي بريطانيا لا توجد رسوم على قيد دعوى جنائية ، كذلك الولايات المتحدة، كندا ، مصر و جنوب أفريقيا ذلك على سبيل المثال لا الحصر.

4

التأثير المباشر لذلك الاجراء الخاطئ

1- هذا القرار يعنى حصر التقاضي و تقيد البلاغات الجنائية للأغنياء و القادرين فقط ، و ذلك يساهم في انتشار الجريمة و الفساد في المجتمع خاصة مع الحرب و التدهور و الانهيار الاقتصادي ، التشتت ، ذبول كثير من القيم و انتشار الفساد خلال الثلاثين عاما التي حكم فيها المتأسلمون السودان.

2- هذا القرار البائس، يعمل على افلات المجرمين من العقاب في المستقبل كما يسلب من الضحايا حق التقاضي، و نحن نشاهد الانتهاكات المروعة المرتكبة في الحرب الدائرة اليوم، من جانب الطرفين الجيش و الجنجويد تجاه المواطنين.

3-  يتسبب هذا القرار في تعميق التمييز في المجتمع و زيادة الهوة الموجودة أصلا بين المواطنين.

4- يعمل على دفع المواطن الذى عجز على الحصول على العدالة  بطرق قانونية ان يحاول الحصول عليها بطرق ملتوية.

5- تجعل المواطن الذى يعجز عن دفع رسوم التقاضي الجنائي، أن يأخذ القانون بيده، طالما الدولة عجزت عن حمايته و جبر الضرر الذى احاق به..... نتيجة لذلك سوف تنتشر الفوضى في المجتمع.

5

ان فرض رسوم على تحريك البلاغات و الدعاوى الجنائية ليس هنالك ما يبرره و يدفع اليه، لأن ذلك يتناقض مع مبادئ العدالة العامة ، المواثيق الدولية و قواعد العدالة الطبيعية كما سوف يعمل على تفكك المجتمع و زيادة الجريمة و الفساد في مجتمع، عملت الحروب المتعاقبة منذ الاستقلال على تفكيكه و ترهله

 

2 يونيو 2025



 
 
 

أحدث منشورات

عرض الكل

Comentários


bottom of page