top of page
بحث

زكريات " دقاقة ".......وشم مرجوع !

  • Adnan Zahir
  • 16 أكتوبر 2022
  • 2 دقيقة قراءة

هنالك سنوات من العمر و تجارب تظل لاصقة بالذاكرة، ترفض مبارحتها و تجدد و جودها باستمرار، مثال لتلك الزكريات الحنينة الى النفس، أعوام قضيتها مقيما فى منزل شقيقتى، المرأة العظيمة جدا...... خالدة زاهر السادات.

فى العام 1992 و بعد خروجى من المعتقل، و كان منزلى المستأجر فى " الفتيحاب " قد تم اخلاءه .....عرضت على خالدة ( حلالة العقد ) السكن معها مؤقتا، و كانت الأسباب التى ساقتها مقنعة خاصة ان بناتها و اولادها فى ذلك الوقت كانوا خارج السودان، كما أن سكنى معها يجعلنى قريبا من مكتبى للمحاماة بالخرطوم، فقبلت العرض و انتقلت الى منزلها.

منزل شقيقتى خالدة يقع فى العمارات - الخرطوم شارع 37 من ناحية الشمال ، تقابله مباشرة كنيسة من ناحية الجنوب، اول ما لفت انتباهى و اهتمامى و انا أسكن معها، العلاقة المميزة و المتفردة التى تجمع بينها و بين الكنيسة..... كانت علاقة يسودها الود و الأحترام المتبادل.

كان طاقم الكنيسة فى مناسباتهم المختلفة التى يقيمونها دوريا، يستعيرون ما يحتاجون اليه من ادوات طباخة و ضيافة من منزل خالدة، و كانوا يقومون باعادة تلك الأدوات التى يستلفونها كاملة غير منقوصه، كما يقومون أيضا بدعوتنا لتلك الاحتفالات و كنا نلبى جزءا منها.

فى الأعياد الدينية كعيد رمضان و عيد الأضحى، كان قديس الكنيسة الأكبر، أول زائر للمنزل معيدا و مباركا، و رغم التسامح الدينى الذى كان يسود المجتمع نسبيا فى ذلك الزمن، الا اننى نادرا ما شاهدت أو سمعت بمثل ذلك التسامح .

فى تلك الفترة كانت ابنتى الصغيرات قد وصلتا مرحلة الدراسة و كنا أنا و خالدة نعمل على الحاقهم بالروضة، اقترحت علئ خالدة الحاقهم بروضة الكنيسة رفضت برفق و لكن فى حسم، و لم تعد خالدة لمناقشة المسألة، و الحقناهم بروضة " المهد الحنون " قرب المطار.

كنت أفكر طيلة السنوات التى انسربت من عمرى و مشغولا على الدوام..... لماذا رفضت عرض خالدة بالحاق بناتى بروضة الكنيسة ! و توصلت الى ان الرفض كان من منطلق خوفى تنصير ابنتاى للمسيحية كما لا أستبعد وجود العامل الطبقى ( الطبقى...الدينى و العرقى فى السودان يعيشون داخل جلباب و احد و يتبادلون الأدوار بشكل مستريب ) !!

بدأت فى استرجاع بعض تاريخ الأسرة فوجدت اننى انتمى الى أسرة دينية محافظة من ناحية الأب و الأم الذين ترجع جذورهم الى منطقة دارفور " فور ". أسرة والدى قد لقبوا بالسادات لمعرفتهم بعلوم الدين و دراستهم بالأزهر ،كما أن أسرة والدتى المنتمين ايضا الى منطقة دارفور كانوا ملتزمين جدا بالتدين و كانت الفروة جزءا أصيلا فى المنزل مكملا لأساساته.

خالدة نفسها كانت متدينة بل و عارفة للدين، فقد ذهبت الى الخلوة مع خيلانى أشقاء والدتى الذين كانوا يقاربونها فى السن، عندما كانت تقيم فى منزل جدى لامى عجب أرباب صالح، و كان ذلك اثناء تنقل والدى المتواصل فى ارجاء البلاد فى مهام الجيش الكثيرة.

اكتشفت و أنا أقوم بتلك المراجعات، ان ذلك الانتماء الدينى الطويل للأسرة، لم يمنع والدى من الحاق بناته بمدارس الأرساليات التى كانت متاحة فى ذلك الوقت بعد تعديهم مرحلة المدارس الأبتدائية الحكومية، فقد التحقت ثلاث من شقيقاتى بمدرسة الاتحاد العليا المسيحية ( اليونتى هاى اسكول ) فى الخرطوم و لم يبالى بما كان يقوله المجتمع و كان ذلك قبل سبعين عاما !

أجزم أن شقيقتى خالدة قد استمدت ذلك التسامح الدينى من والدى .....من خلال دراستها.... و نضالها فى المجتمع – منذ زمن مبكر - من اجل مساواة الجميع فى الحقوق و الواجبات عمليا و ليس من خلال التنظير..........كما توصلت أيضا الى حقيقة أخرى..... و هى ان خالدة و والدى كانوا متقدمين عن عصرهم عشرات الفراسخ !!


صفحة من مدونة مذكراتى


 
 
 

المنشورات الأخيرة

إظهار الكل
ثلاث قضايا جوهرية اهملت بقصد !

1   الاحداث المتسارعة في الساحة السياسية السودانية مع سقوط الفاشر في يد الجنجويد ، ترك المجتمع في حالة صدمة و ذهول، فتفشت الفوضى و عدم الاستقرار التي لازمها جوع ، مرض و الركض وراء توفير اساسيات الحياة

 
 
 

تعليقات


bottom of page