top of page
بحث

رجال عرفتهم ....العم صالح !

  • Adnan Zahir
  • 13 أبريل 2021
  • 4 دقيقة قراءة


افادات عامة لحياة عامرة


رحل من الدنيا بهدوء كما جاء اليها دون جلبه أو ضوضاء،قال لي و هو يحكي عن حياته ( أتيت الى الخرطوم بعد انتهاء الحرب الكبيرة التانية،وقف القطار بنا فى محطة سوبا،قام الأنجليز بانزالنا من القطار و تم غسلنا بخراطيش المياه ثم سمح لنا بالدخول للخرطوم).

هل ما تم كان حرصاً على النظافة أم عنجهية المستعمر أم الأثنين معا، هؤلاء الفرنجه يدعون انهم يخافون على حياتهم مما تحمله أجساد اولئك القوم البسطاء من أمراض !.......عجبا لماذا أتيتم ؟!!....لكن مهما كانت دوافعهم فالكرامة الأنسانية لم تكن فى حساباتهم.

لاحظت انه يأكل من الأكل قليله لذلك كان نحيف الجسد رقيقه،عندما سألته عن السبب ذكر

(عملوا لى عملية " التواء "،كنت بين الموت و الحياة عندما ودونى مستشفى الخرطوم.الدكتور استغرب على كونى لا زلت حياً،.....قام بقطع ثلاث أرباع مصاريني و هسع أهو أنا عايش بالربع الباقي...عشان كده باكل شوية )

ذلك الفتح و التجريب المبنى على الاستهانة بحياة البسطاء-الذى استدعى استئصال معظم " المصارين " - قد ساهم فى بقاءه علي قيد الحياة!

أصوله ترجع الى غرب السودان – دارفور قبيلة البرقو – و هى من تلك القبائل التى شكل نمط حياتها ، البداوة المرتبطه بحرية التنقل و العيش فى عدة مناطق.

اسمه بالكامل صالح عبدالله البرقاوى " عشا البايتات "، و " أمونه " بائعة الطعمية الودودة كانت زوجته. رجل دين و تقوى لا يأكل المال الحرام و لا يتسبب بضرر أو أذى للآخرين.يقوم فى أوقات فراغه بكتابة الرُقى و " الحجبات " للناس البسطاء أصحاب المصالح، و لا يأخذ نقوداً مقابل ذلك.الذين يأتون أليه كانوا مؤمنين بما يكتب و يفعل فهو يكتب صحيح القرآن فى الرقى و الحجبات .

صديقه " فكى " محمد الذى آتى به عم صالح لأرفع له دعوي لاخلاء منزله المستاجر فى الحاج يوسف ذكر لى

(صالح ده أصعب منى فى كتابة الحجبات و " البخرات "،لكنه ياكل بالحلال و لا يضر الآخرين ).

" فكى " محمد، كانت ترسل اليه من قبل الأمراء السعوديين طائرة خاصة لأخذه للسعودية لكتابة الرقى و الحجبات عندما تلتبس عليهم الأشياء، و تداهمهم قضايا الوجود و المجهول التى تقف أموال النفط عاجزة عن حلها !!

سألت فكى محمد فى احدى المرات و أنا أناقشه فى شئون قضيته و كلمة " الدجل " تطغى على كل مساحات ذهنى ،جاهدت كثيراً كى لا تبدوا على ملامحى مظاهر السخرية و تجاوز الاحترام العامر بيننا ،سألته لماذا لا يعمل " عمل " لأخراج المستأجر من منزله دون اللجوء الى مساعدتى، و هو يقضى حاجات الناس فى السودان و خارجه ؟!


ابتسم ثم ذكر بمكر ( ده شغل قانون و لا نعرفوا )!

ضحكنا بأريحية.

درجت حكومة المتأسلمين كعادتها، على فرض أشياءها بالقوة .....ارهاب دولتها لم يستثنى أحداً..... و قد شمل دارنا ضمن دور أخري كثيرة،الاعتقال،التعذيب والسجن.

عم صالح فى احد زياراته لى، عرض علئّ أن يقوم بكتابة حجاب ألبسه على ذراعى، يمنع حتى "الجن " من محاولة اعتقالى مرة أخرى.صمت لفترة ثم سألنى فجأة مغيراً مجرى الحديث ( ماذا فعلت بالجلابية التى أحضرتها لك زوجتك و أنت معتقلا ) ؟

قلت له لم أكن فى حاجة اليها و أنا أمتلك كثير من " العراريق " فأعطيتها لمن هو أكثر حاجة منى لها من المعتقلين.سألنى مرة أخرى و ماذا حدث له ؟ أجبته مندهشاً....... ماذا حدث له ؟!! لقد أطلق سراحه " قبلى ".

قال

( كنا نقرأ عليها الألفية و نسبح ليلا و نهارا نحن مجموعة من الرجال المؤمنيين حتى أنقطع خيط المسبحة و تبعثر اللالوب فى أرجاء الغرفة، ثم أرسلناها لك للبسها حتى يتم الأفراج عنك .....أهو صديقك اتخارج ) !!

قلت له ذلك الشخص الذى اطلق سراحه لم يكن صديقى بل حتى لم يكن سياسيا و تم اعتقاله نتيجة لبلاغ كيدى من زوجته " اللعوب "، و عندما نال كفايته من الاذلال و التعذيب من أصدقائها " الأمنجية " تم اطلاق سراحه.

لم يستسلم و قال ( هذا الحجاب الذى نعده لك يمكنك تجريبه، قم بلبسه و أصعد الى منبر الجامع لن يراك احد من المصلين )،رفضت طلبه بلطف.

عندما تعرفت عليه بواسطة أحد أفراد أسرتى كان فى الخامسه و السبعين من عمره،بعد ذلك لم تتغير هئته مطلقاً رغم مضى السنين.......يقول عامة الناس أنه لا يمكن تقدير عمر أهلنا " الغرابه " بعد الستين فهم لا يهرمون.......لعلها طيبة ذلك القوم الناتجه من التصالح مع النفس!

أقربائه يقولون انه كان يعمل فى البناء لكن عندما تعرفت عليه كان يعمل غفيرا باحدى المدارس الحكومية.غفير المدرسة كان مناط به اغلاق فصول و ابواب المدرسة خوفا من سطو اللصوص عليها.هنالك قصص كتيره تحكى فى المدينه عن تعدى اللصوص بعنف على حراس المدارس متقدمي العمر نسبياً، كاد أن يؤدى في بعض الأحيان بحياة البعض منهم.......عم صالح كان لا يهاب أحداً.

(عندما أقفل المدرسة و الفصول أقوم بقراءة المعوذتين.......بعد صلاة العشاء أرقد على عنقريبى الهبابى....عكازى " المضبب " جنب رأسى وسكينى فى ضراعي الشمال و البطارية تحت رجلى......عند أسمع اى حركة أفتح عليها البطارية ).عم حسين لم تقع له غير حادثة واحدة.

(سمعت الآذان وقت الدقش،قلت أقوم اتوضأ و أصلى الصبح......فجأة سمعت حركة،عندما كشفت النور كان هنالك اتنين حرامية قاعدين فى الحيطة شايلين عصا و سكاكين و بعاينوا لى.ضربوا علئ الضوء .....قمت مشيت عليهم سكين الضراع معلقه فى كتفى الشمال و فى ايدى اليمين عصايتى المضببه .....كاشفين نور البطارية فى وشى، عينى ما رمشت و أنا ماشى عليهم...واحد منهم قال لأخوه ( الزول ده عيونو عيون دواس و موت ساكت أحسن نمشى ....تلبوا من الحيطة و جروا )!

افادة أخيرة

عم صالح لم يمرض،كان فى التسعين من عمره،آتي ذلك الصباح من عمله، توضأ، صلى ركعتين لله ثم فطر و نام.عند محاولة ايقاظه لصلاة الظهر وجدوه ميتاً.

عم صالح قتله الزمن....... أم سرقه الموت ؟!!

 
 
 

المنشورات الأخيرة

إظهار الكل
ثلاث قضايا جوهرية اهملت بقصد !

1   الاحداث المتسارعة في الساحة السياسية السودانية مع سقوط الفاشر في يد الجنجويد ، ترك المجتمع في حالة صدمة و ذهول، فتفشت الفوضى و عدم الاستقرار التي لازمها جوع ، مرض و الركض وراء توفير اساسيات الحياة

 
 
 

تعليقات


bottom of page