ذكريات " دقاقه " – ورطة كجو مع الديك المتعجرف !
- Adnan Zahir
- 30 ديسمبر 2022
- 4 دقائق قراءة
فى خمسينات و ستينات القرن الماضى كانت الحيونات الأليفة مثل الماعز ،الضان و الدجاج و حتى - البقر فى بعض الأحيان - تربى فى معظم منازل أدرمان لفوائدها المتعددة، فهى غير أنها تغطي جزء من ميزانية المنزل، فهى تساهم فى ترقية الأكل الصحى للأسرة،..... أمدرمان كانت قرية كبيرة فى بداية مرحلة التمدن.
كانت معظم الأسر الأمدرمانية لها امتداداتها فى الريف السودانى، كان عاديا أن تسمع من الجيران فى الحى، أن معهم زوار من " البلد " و كانت غالب تلك الزيارات للعلاج،الراحة فى المدينة الكبيرة أو التبضع فى سوق أمدرمان العتيق و العامر.أمدرمان كانت تختلف من مدن الخرطوم و بحرى بانها خلطة من الريف و الحضر.... مزيج من التمدن و البداوة !
" كجو " كان يعمل مع والدى ك ( بات مان ) و هو جندى نظامى و يحمل نمرة عسكرية، و كانت تلك ميزة تعطى لضباط الجيش فى تجنيد شخص يعمل معهم فى المنزل و يقوم على راحتهم و تدبير شئونهم العسكرية.
و لكن فى حقيقة الأمر و مع الزمن يتحول ذلك الجندى، لخدمة كل المنزل بعلم الضابط الذى أحضره أو بدون علمه!.....تلك الممارسة كانت موجودة فى الجيوش الأوربية، و كان " البات مان " مناط به الأشراف على حصان الضابط الذى يقوم بركوبه قبل دخول الأليات العسكرية الحديثة، الحكمة من ادخال نظام " البات مان " فى الجيوش الأروبية هو عدم انشغال الضابط بأشياء جانيبة ،و تركيزه على الحرب الدائرة.
بالطبع دخلت الممارسة السودان مع المستعمر و أصبحت تمارس من قبلهم لأذلال الجندى السودانى، و لسخرية القدر فقد تم الغاء هذه الممارسة المهينة التى يتحول فيها الجندى الى ( خادم منزل ) ، من قبل الجنرال الدموى نميرى قبل أن يصبح اماما لمسلمى السودان !
" كجو " كان يشرف على كل الأشياء العسكرية التى تخص الوالد مثل تلميع " زراير " بدلة الجندية ، تلميع البوت، كى الملابس ...الخ. كنا نستمع للصوت الآمر لوالدى طوال اليوم مستدعيا كجو لأداء بعض المهام التى لا تنتهى الا ليلا بعد نومه. كجو كان محبوبا من جميع أفراد الأسرة و مستغلا من جانبنا حينما يكون الوالد مستغنيا عن خدماته و كان ذلك نادر الحدوث !
وقع الحادث الذى سوف أحكيه دون تخطيط مسبق ،فقد أمتلكت والدتى " ديك " متعجرف أهدته لها احدى قريباتها، وبما انه لم يكن يسمح لنا بامتلاك حيوانات داخل المنزل، لذى وجد الديك اهتماما استثنائيا من الكل خاصة نحن الأطفال. الديك كان يمتلك ريشا زاهيا جميلا و متدرج الألوان، رشيق الجسم يمشى فى خيلاء كأنه الديك الوحيد على الأرض، حينما يصيح " يعوعى " ينفخ ريشه و يهز جسده فى قوة و فخر....أصدقائى يقولون أن صوته مميزا و يسمع صداه فى نهاية الحى ، بعض المبالغين منهم... يقولون انه يسمع فى جزيرة توتى التى تقع فى البر الشرقى للنيل مواجهة لحينا !
لم تكتمل فرحتنا بالديك، فقد كانت له عادة سيئة فهو يتسلق حائط " برندة " أمتدادا لغرفة والدى، ثم يبدأ فى الصياح ساعة الظهيرة و عودة والدى من العمل و أخذه قليل من الراحة قبل الذهاب لنادى الضباط.عنما كرر الديك المغرور فعلته عدة مرات، و فى صباح احد الأيام أستدعى والدى " كجو " و أمره بذبح الديك فورا أو وفقا لكلماته (الليلة تضبح هذا الديك المزعج.....لمن أجى راجع من الشغل ما داير أسمع صوته مرة أخرى ) ....ثم غادر المنزل غاضبا.
" يمه " كانت قد سمعت الأمر الصادر لكجو،وعندما جاءها " متمسكنا " يريد الحديث، قالت له أمى فى حزم ( ديكى ده مافى زول يلمسوا )... والدتى كانت طيبة و حنينه لكنها قوية و صارمة، و كنا نخشى غضبها أكثر من والدى...... استدار كوجو و ذهب. نحن الأطفال كنا نتابع فى استمتاع الموقف من طرف خفى، و نعلم مدى الورطة التى يعيشها كجو لقد وقع المسكين بين المطرقة و السندان ! .....كان كجو يرتجف كالمذبوح طوال اليوم و نحن ننتظر فى لهفة عما سوف تسفر عنه الساعات القادمة!
عند نزول أبى من العربة و دخوله المنزل ثم غرفته، صاح مناديا كجو و دار الحوار التالى:
- كجو ضبحت الديك ؟
رد كجو بصوت مرتجف..
- لا سعادتك.... يمه قالت مايضبحوه.
- كلام فارغ..... بكرة الديك لازم ينضبح فهمت.
- نعم سعادتك.
مما زاد غضب والدى فقد تسلق الديك فى تلك اللحظات حائط برندته و من ثم صائحا بصوته الجهور.
أتذكر و أجزم أن كجو لم يتذوق طعاما أو نوما ذلك اليوم.
فى صباح اليوم التالى قال والدى لكجو و هو خارج للعمل (ما داير القى الديك ده حى لمن أجى )!
عاد أبى من العمل ثم مناديا كجو فور وصوله سائلا عن الديك.أجاب كجو انه حاول القبض على الديك و لكنه هرب الى منزل الجيران، و قد علا فى تلك اللحظات صوته من المنزل المجاور لمنزلنا . هدأ و الدى قليلا و مذكرا كجو بتنفيذ الامر فى اليوم التالى ( بكره لو ما ضبحت الديك..... انت و هو تمشوا الشارع )!.... لكن الديك المغرور عاد الى المنزل ليلا متسللا من عند الجيران.
فى صباح اليوم التالى و بعد ذهاب والدى و نحن فى لهفة لما سوف يحدث، لم يجد أثرا للديك أختفى من المنزل. عندما سألت والدتى كجو عن الديك ...قال بصوت صادق انه لا يعرف عنه شئيا . أرسلتنا الوالدة للبحث عنه فى الحى، لم نترك مكانا لم نبحث عنه لكن لم نجده ....أختفى صياحه...صباحا....ظهرا و مساء داخل الحى..... ساد الهدوء المنزل و أفلت كجو من العقاب الذى كان ينتظره.
كجو لم يمكث معنا طويلا بعد تلك الحادثة، فقد انتهت سنوات خدمته فى الجيش،ترك خدمتنا و عمل " سفرجيا " فى حديقة الريفيرا التى لا تبعد كثيرا من المنزل،أصبح يزورنا بانتظام للسلام و الاطمئنان على الأحوال.
كنت و لا زلت أشك فى براءة كجو من اختفاء الديك، ولدى أسبابى التى لم أبح بها للأسرة حتى اليوم. ففى أحد أيام " أزمة الديك " شاهدت كجو و هو يقبض على الديك ثم يقذف به من خلال الحائط الى منزل الجيران، ذلك قبل أن يعود الديك اللعين متسللا ليلا الى المنزل، لم يكن يعرف كجو انى قد شاهدت فعلته، فقد كنت سعيدا بما أنتهت اليه الأحوال دون خسائر كبيرة تذكر............السؤال الذى يتبادر كثيراالى ذهنى و حتى هذه اللحظة.. ....ماذ فعل كجو بالديك المتعجرف ؟!!
عدنان زاهر
28 ديسمبر 2022
دقاقة : صغيرة.....فتات
يعوعى: صياح الديك
Batman :يطلق على الجندى الذى يعمل مع الضابط فى منزله لتدبير شئونه العسكرية ....مورس التقليد فى البداية فى الجيش الفرنسى ثم انتقل لباقى الجيوش فى اأروبا....دخلت السودان مع المستعمر الأنجليزى
Yorumlar