top of page
بحث

ذكرى رحيل الجاسر/ منصور محمد خير !

  • Adnan Zahir
  • 26 مايو 2021
  • 6 دقيقة قراءة


يصادف اليوم الأثنين 24 مايو مرور أربعين يوما على رحيل الأخ و الصديق منصور محمد خير، و كنت قد أجلت الكتابة عنه لعدة مرات حتى أستعيد توازنى من الفراغ الذى تركه، و الحزن الكثيف و الدائم الذى رفض بأصرار أن يفارقنى.

و للكتابة عنه هذه المرة قصة، فقد صحوت مبكرا كالعادة و أنا أطالع و أقلب أخبار السودان و العالم فى " النت "، صادفنى مقالا ممتازا فقررت على الفور أرساله له، فقد درجت على ذلك لفترة تزيد على العام مع التواصل و الحديث من خلال " الواتس آب "....وبالفعل بدأت أجراءات أرساله الكترونيا عندما انتبهت فجأة، أن منصور قد رحل خلسة من عالمنا و دون مقدمات أو حتى ارهاصات منذ أكثر من شهر !......أوقفت اجراءات الأرسال ثم قررت الكتابة !

عرفت منصور عن قرب من خلال العمل معه فى الدائرة الجنوبية أمدرمان ابان ترشيح سكرتير الحزب الشيوعى عبدالخالق محجوب ضد أحمد زين العابدين المحامى فى العام 1968 و كنت فى ذلك الوقت فى انتظار ظهور نتيجة الشهادة الثانوية لدخول الجامعة، لكن معرفتى الحقيقية و الوثيقة به، بدأت عندما عملنا معا لاحقا فى جبهة التحالف الديمقراطى بالموردة ابان ترشيح الأستاذ التجانى الطيب ضد مرشح الأتحادى حسن أبو سبيب فى الدائرة الجنوبية فى العام1986 .


1

قال لى المرحوم فى احد حواراتنا المتواصلة و شبه اليومية ( أنا عمرى قدر الصادق المهدى )....تقول الكتابات المتداولة فى الأعلام أن السيد الصادق المهدى من مواليد العام 1935 كما يوجد نص يؤرخ لمنصور يقول انه من مواليد العام 1938 ....ذلك يؤشر لفرق فى الأعمار قدره ثلاث سنوات و لكنه يؤكد من جانب آخر انهم ابناء جيل واحد.

ولد منصور فى حى الموردة من أسرة عريقة، ممتدة و لها باع فى الفن فخيلانه من ناحية الأم هما الفنانان أبراهيم عبد الجليل " عصفور السودان " و شقيقه التوم، كما أخبرنى انه عاش فترة من الزمن فى منزل جده لأمه و كان مشرفا على ترتيب أشياء خاله الفنان أبراهيم عبد الجليل فى آواخر سنوات عمره.

هنالك صفات تلازم منصور و تلفت الأنتباه اليه منذ بداية التعرف المبكر به، تلك الصفات هى الجسارة المفرطة، القدرة على الصدام،التصدى و المواجهة دون هيبة،الرفض الغريزى و التمرد على الظلم بكافة أشكاله و أنواعه، الكرم السخى مع الذكاء الفطرى المتسم باللماحة ،فى تقديرى تلك هى الصفات التى التقتطها أعين الحزب الشيوعى السودانى الحصيفة و الحادة عند انضمامه لصفوف الحزب ،ووظفتها لتخلق منه كادرا قياديا مقداما و محبوبا لدى الجماهير.

عمل منصور فى عدة جبهات داخل الحزب أهمها مسئولية حماية سكرتير الحزب الشيوعى الأستاذ عبدالخالق محجوب مع رفاق دربه شكاك و حسن شمت.فى تلك الفترة و بطبيعة عمله التى فرضت عليه البقاء لفترات طويله مع عبدالخالق أدت الى نمو علاقة وثيقة مع السكرتير عبدالخالق و أسرته،أصدقائه و رفاقه ( أنظر مقالنا عن تلك الفترة بعنوان " عبدالخالق الذى عرفته " ).

لمنصور قدرة عجيبة فى عرض و توصيل أفكاره باسلوب سلس و فريد و أحيانا بسخرية محببة، كما له حس مرهف يكتب الشعر و يجيد القائه .قال لى و هو يحكى عن مسيرة تطوره:

(كنت " ركيب "1 فى قهوة أبوى فى سوق الموردة كما أعرف كل " شفوت " أمدرمان...... كنت مسئولا عن حفظ النظام فى سينما بانت، و ذلك يعنى أستخدام العنف أذا أقتضت الضرورة و من وجودى المنتظم فى سينما بانت تعرفت على ناس الفتيحاب و تعمقت صلتى مع " عباس حامد " الجزار المشهور حتى صار من أعز أصدقائى.....عندما أنضممت للحزب صرت شخصا آخر و مختلفا....فارقت كل تلك الحاجات .....ياخى الشيوعية دى عندها قدرة عجيبه على تغيير الزول ).

كان فى البداية يرد على رسائلى كتابة ثم ذكر لى أن ضعف النظر و تلفونه كثير الأعطال لا يساعد على الكتابة، و يفضل أن يرد على حواراتى و أسئلتى الملحاحة برسائل صوتية.لقد كنت محظوظا و حزينا و أنا أعيد سماع تلك الرسائل و أندهش لكل تلك القدرات التى يمتلكها هذا الصديق العصامى الذى تحصل على المعرفة بالجهد و الأصرار الذاتى.


2

ذكر لى انه كان مسئولا مع الزميل حسن شمت فى الدائرة الجنوبية أمدرمان التى ترشح فيها سكرتير الحزب عبدالخالق ضد الزعيم أزهرى و من بعده أحمد زين العابدين المحامى عام 1968 و التى فاز بها الأستاذ عبد الخالق محجوب، حيث كان منزلى أحد مراكز الدائرة. لقاءاتنا اليومية بعد دخول الأستاذ عبد الخالق للجمعية التأسسية فقد كانت تعقد فى دكان دفع الله محجوب بسوق الموردة و المشهور ب " قناطة ".

ذكر ( عندما كنا نعمل فى مدينة أمدرمان كان حسن شمت المسوؤل السياسى و كنت أنا المسؤول التنظيمى،كنا نخرج يوميا لنتفقد الفروع، نبدأ بحى بانت، الموردة،بيت المال ،أبوروف،حى العرب و العرضة ثم العودة للموردة...كل تلك المشاوير " كدارى " )!

عملت مع منصور بشكل مباشر و منتظم عندما ترشح الزميل التجانى الطيب فى الدائرة الجنوبية ابان انتخابات 1986 ،و كان منصور قد اختير رئيسا للتحالف الديمقراطى و أنا عضوا فى لجنته و للمصادفة المذهلة فقد كنا نراجع مساء كل يوم سير العمل فى " كشك " دفع الله محجوب " قناطة " !....و هو نفس الشخص الذى كان منصور يدير فى دكانه أعمال الأستاذ عبدالخالق محجوب فى العام 1968 .

ذكر لى و هو يتحدث عن تجاربه الحزبية

(كنا أنا و التوم النتيفة نشيل المطبوعات من بحري الى دار العمال فى الخرطوم أو دار الطليعة....كل ذلك مشيا على الأقدام )


عمل فى عدة جبهات فى الحزب،فى الطليعة ، المديرية و الحماية.تلقى كثير من المحاضرات عن الماركسية،التحق بمدارس الكادر و من ثم أرسل لمدرسة الحزب بموسكو مع الزملاء شكاك و حسن شمت،له ذكريات و قفشات مرحة فى موسكو أتمنى أن استعرضها فى مقال آخر.


3

منصور حافظ لتاريخ أمدرمان و عارف خبير بتاريخ حى الموردة.....حياتها الأجتماعية و شخوصها و قد ساعده على ذلك عمله فى قهوة والده فى سوق الموردة. فى تقديري هنالك سبب آخر للحصول على تلك المعارف ،و هى التنقل الدائم فى مدينة امدرمان فى متابعة العمل الحزبى الذى أرتبط و تنوع بكل فئات امدرمان الأجتماعية و الطبقية.

رغم ضعف نظره ليلا فقد كان مشاركا فى العمل فى دار التحالف بالموردة،مساهما فى دفع رسوم عضويته و متبرعا عند الحاجة،كان لا يزور الدار الا حاملا شئيا للضيافة...سكر،شاى أو قهوة.

كان على الدوام يحتفى بعودتى للسودان و يحرص على معرفة تاريخها مبكرا للتحضير اللازم.فى ديوانه الصغير المطل على خور أبوعنجة، و الذى يزين جدرانه صور الرفاق و بعض قادة الحزب...عبدالخالق محجوب ،الشفيع ، الجزولى سعيد ، نقد ، فاروق و أنور زاهر.....

يدعوا الزملاء و الأصدقاء الحميمين و يقوم أنور ود الحوش الأنسان الهميم بالأشراف على كل صغيرة و كبيرة خاصة العشاء " المصلح ".لا زلت أتذكر الجلسة الأخيرة و التى كان من ضمن حضورها الزميل المرحوم حسن شمت بالرغم من مرضه،على عيسى ، مختار، حسن، نادر، ناس الهاشماب و الثورة........ضحكات حسن شمت المجلجة الصافية، قفشات أمين الشوافعة و حكاويه الساخرة، مناكفات و مشاكسات منصور و أنور ود الحوش، و حكاوى على عيسى عن طرائف الرياضة فى السودان.

فى تلك الجلسات يتحول الحديث فجأة ليشمل كل شئ..... تاريخ الحزب و الحركة السياسية، الثقافة، الكتابة، الفن و الغناء ...لقد كانت تلك الجلسات مدرسة و منتدى بحق و حقيقة لتبادل التجارب، المعارف و تلاقح الأجيال.......... صارت تلك الجلسات معروفة.... بل أحتج عدد كبير من الرفاق و الأصدقاء لعدم دعوتهم لحضورها.

كان منصور عفيفا عزيز النفس،ظل هاتفه لفترة طويلة يعانى من مشكلات اعطاب متتالية، عندما أخبرته أنى أود ارسال تلفون له أو أحضر له تلفون عند عودتى للسودان...حدثنى بشكل قاطع (يا زول انت فى الغربة و عندك أسرة و مسئوليات و اولاد دايرين يتربوا......أنا ما داير تلفون جديد و لا حاجة.....حأمشى سوق الشهداء....قالوا ود ميرغنى بصلح الموبايلات حأوديهوا ليهو.....أوعه ترسل لى تلفون )!.....عندما أقول له ان ذلك لا يكلفنى شئيا يأتينى عبر الهاتف رده القاطع ( برضوا ما داير.... حأصلح ده ) !!


4

ذلك الصباح الساعة السابعة فى تورنتو 14 أبريل و ( ظهرا فى السودان )، تحدثنا فى عدة مواضيع خاصة الوضع السياسى الغائم و القاتم فى السودان، ثم ذكر لى عرضا ان فترة ما بعد التطعيم للكرونا و هى الأسبوعين سوف تنتهى بعد يومين بعد الجرعة التى أخذها، و كان سعيدا فى انه سيكون مطلق الحرية فى التحرك أين ما شاء..........أنهينا المكالمة على أن نواصل الحديث اليوم التالى.

فى السابعة و النصف بتوقيت كندا، أتصل بى صديق مشترك من الحى و أخبرنى بوفاته.قلت له مندهشا لقد كنت أتحدث معه منذ نصف ساعة و لا بد أن يكون هنالك خطأ ما، ثم أخبرته أن يرجع للتأكد.رجع لى مرة ثانية ليخبرنى بتأكيد الخبر من أنور ود الحوش ( كان منصور سائرا فى الطريق ...سقط و فارق الحياة ).

قال لى منصور فى رسالة صوتية يرثى رفيق دربه حسن شمت

(اتهد ركن فى الحزب الشيوعى و اتهد ركن فى المجتمع السودانى...هذا هو حسن....أنا ما بقدر أقول فيهو شى غير الشجرة أعطت ثمارها و ماتت واقفه.....الأشجار تعطى ثمارها و الأشجار تموت واقفة )

ما جاء فى تلك الرسالة و الرثاء ينطبق عليه أيضا فهل كان ينعى نفسه ؟!............بعد رحيلك يا منصور قد انهد ركنان وليس ركنا واحدا !!


عدنان زاهر

24- 5- 2021 – الأثنين


ركيب: هو الشخص الذى يعمل فى القهوة لاغراء العابرين للدخول للقهوة و لعب القمار، و من ثم تجريده من ماله من خلال الغش فى اللعب،اذا حاول الاحتجاج فيقومون بضربه و رميه فى الشارع.

 
 
 

المنشورات الأخيرة

إظهار الكل
ثلاث قضايا جوهرية اهملت بقصد !

1   الاحداث المتسارعة في الساحة السياسية السودانية مع سقوط الفاشر في يد الجنجويد ، ترك المجتمع في حالة صدمة و ذهول، فتفشت الفوضى و عدم الاستقرار التي لازمها جوع ، مرض و الركض وراء توفير اساسيات الحياة

 
 
 

تعليقات


bottom of page