top of page
بحث

خمسة بارات ، أربع حدائق و خور !

  • Adnan Zahir
  • 19 أكتوبر
  • 3 دقيقة قراءة

 

امدرمان لم تكن المدينة الفاضلة ، فهي في تطورها مرت بكل الظروف التي مرت بها المدن الكبرى التي يشكلها عادةً التاريخ، السياسة ، الاقتصاد و الاجتماعي ، امدرمان مزيج من كل هذه الأشياء بل هي خلطة سحرية مدهشة، ظلت متجانسه الى حد ما و لبعض الوقت .

 في تطورها اللاحق بعد الاستقلال كان اكبر الأثر عليها قوانين سبتمبر 1983 التي اعلنها نميري في حالة شعوذة، دجل و مكايدة ضد الشعب السوداني، ثم حكم ( الجبهة القومية ، الاخوان المسلمين أو الكيزان ) كما أطلق عليهم الشعب السوداني، و الذى استمر لمدة ثلاثين عاما. رغم كل ذلك ظلت امدرمان تقاوم بضراوة الهجوم عليها و تجاهلها المتعمد من قبل مدعى الإسلام الجدد، لذلك ليست صدف أن تشارك امدرمان بشجاعة و غضب مع باقي المدن ، القرى و الفرقان في انتصار ثورة ديسمبر التي أطاحت بالديكتاتور الثالث عمر الشير.

أريد بعد هذه المقدمة الضرورية أن أتحدث عن أحد الأحياء العريقة في مدينة أمدرمان و هو حي الموردة، الذى ساهم مع أحياء اخر في رسم تقاطيع أمدرمان الدقيقة ،البشوشة و المرحابه.

في ذلك الزمن الذى احكى عنه و هو خمسينات و ستينات القرن الماضي كانت حدودها المعروفة كالآتي ، يحدها من الجنوب حي بانت و قصر الشباب الحالي، من الشمال أحياء ابوروف، الهجرة ، ودنوباوى، من الشرق نهر النيل أما من الغرب احياء المظاهر ، حي  ،  العرب ، العرضة كانت هذه هي امدرمان التي يمكن التنقل في كل فرقانها و احياءها في ظرف ساعة كما ذكر صديقي الراحل منصور.

واصل الصديق منصور حديثه و تأملاته و نحن نتناول تاريخ أمدرمان و سوق الموردة تحديدا، و الحياة الاجتماعية في ذلك الحى المتاخم لنهر النيل من جانبه الغربى، و هو العارف ل (جخانينها )1 و مطباتها بحكم عمله منذ الصغر في قهوة والده ( محمد خير ) و التي تنقلت في عدة مواقع في سوق الموردة.

كان في سوق الموردة خمسة بارات لبيع الخمور ( الافرنجية ) تبدا من ناحية جهة الجنوب غرب شارع أو زلط الموردة، و هي الجهة المواجهة ل ( ملجة ) أو سوق السمك.

1- بار الريس صاحبه من ناس سوق أمدرمان الكبير و كان في محل الفوال ( ترنتى ) ، بداية سوق الموردة من الجنوب و غرب شارع الزلط و مواجه لسوق السمك الحالي.

2- بعده مباشرة بار ( الكحلي ) و هو من ( النقادة )2 .

3- بعده مباشرة و نحن نتجه نحو الشمال بار ( حليم ) وهو اشهرهم، يرجع ذلك لطرافة قيامه فقد كان لمالكه حليم شقيق يسمى ( شحاته ) يبيع الصحف و قد ترك بيع الصحف ليشارك اخوه في بيع الخمور و قد خاطبه أحد زبائن البار قائلا ( يا شحاته من بيع الأدب لبيع قلة الأدب ) !

و كان لكل بار فتوة و كان فتوة بار حليم ( أبو جبو )، كما ورد أسم هذا البار أيضا في محاكمة اغتيال ( كبس الجبة ) 3 المشهورة.

4- و بعدهما مباشرة و في نفس الصف بار ( كليوباترا ) و صاحبه أيضا ( نقادي ).

5- البار الوحيد شرق الشارع كان يقع بالغرب من طاحونة (إسكندراني ) من جهة الشرق و الطاحونة تقع بعد خور الموردة مباشرة و حديقة الموردة ، الطاحونة كانت تجاور دكان ( عبده  اليماني ) !

كان بحي الموردة أيضا أربع حدائق و هي أيضا تعتبر حدائق امدرمان الرئيسية، و قد تداخل في ذلك الاختيار، موقع الحى في مدخل المدينة و قربه من نهر النيل ، كبرى الحديد و مقرن النيلين ، أول تلك الحدائق الغنّاء هي

!- حديقة النيلين قام مكانها أو قربها مسجد النيلين الحالي و هي مواجهة من جهة الشرق لمدرسة المؤتمر الحالية و مدخل كبرى ابوعنجة من ناحية الجنوب .

2- حديقة ( الجندول ) بعد كبرى ابوعنجه مباشرة من ناحية الشمال و مواجهة لمطعم ( عوضيه سمك ) الحالي و قد اقيمت به مباني لجامعة القرآن الكريم بعد الاستيلاء على الحديقة  بعد انقلاب الاخوان المسلمين عام 1989 م.

3- حديقة الموردة المواجه لسوق الموردة من جهة الشرق و التي تقع بالقرب من ( ملجة ) السمك .

4- حديقة ( الريفيرا ) التي تقع شرق شارع النيل و بالقرب من الطابية المقابلة النيل.

ختم حديثه ( كمان ما تنسى خور ابوعنجة الذى تشع مياهه ليلا، بياضا و بهجة في الليالي المقمرة )

كانت هذه امدرمان زمان قبل هجوم التتر و المغول !


عدنان زاهر

19 أكتوبر 2025



توضيحات


- جخنون : و تعنى وفقا لقاموس المعاني في السودان لعون الشريف، الموقع المنزوي في أسفل البيت و قد يستعمل كمخزن.

نقادة : هم المهاجرين المصريين من مدينة نقادة بمحافظة قنا و هم اقباط مسيحين و قد اشتهروا بصناعة ( الفركة ) و هي غطاء يصنع من الصوف، و عمل الفسيخ ، كانت الرخصة لفتح بار لا تمنح للمسلمين فقط المسيحيين أى النقادة و غيرهم .

- كبس الجبة : هو فتوة من فتوات الموردة عرف بقوة جسده كما عرف عنه أيضا الدفاع عن الحى و حمايته، و قد قتل في حادث مأساوي، كما أصبحت قضيته سابقة تدرس في كليات القانون في السودان.

 
 
 

المنشورات الأخيرة

إظهار الكل
ثلاث قضايا جوهرية اهملت بقصد !

1   الاحداث المتسارعة في الساحة السياسية السودانية مع سقوط الفاشر في يد الجنجويد ، ترك المجتمع في حالة صدمة و ذهول، فتفشت الفوضى و عدم الاستقرار التي لازمها جوع ، مرض و الركض وراء توفير اساسيات الحياة

 
 
 

تعليقات


bottom of page