( خروف سمين ) و السحر !
- Adnan Zahir
- 23 أكتوبر
- 3 دقيقة قراءة
لا زلت أتذكر " جلابيته " الباهتة التي تحمل لون الحياد و التي لم تذق طعم الماء منذ ان قام بشرائها، مع ( عمة ) صغيره تغطى منتصف الرأس فقط ! .....في ذلك الزمن عندما شاهدته كان في منتصف أربعينات العمر أو أزيد بقليل ، يمشى مرفوع الرأس كأنه أحد رعاة الضأن ( المرينو ) في اسبانيا ، من وراء قطيع من الضأن و الغنم يبلغ حوالى الستين راسا.
يأتي منحدرا بقطيعه صيفا من أقصى الغرب متجها الى النيل ليسقي قطيعه و يرعى من الأعشاب و الحشائش التي تنبت بالقرب الشاطئ . في مشيته وئيدة الخطى الواثقة على الأرض ، لم يكن يحفل بالآخرين بل يظل دوما مراقبا لقطيعه الصغير الذى يقوده كبش ضخم معلقة على رقبته جرس يصدر صوتا مرتفعا يرمز الى وضعه القيادي للقطيع و لكى ينتبه القطيع لمتابعة سيره هذا من جانب، اما المهمة الأخرى للجرس فهو منع " العين " وكف الحسد !
كنا مجموعة من الأطفال النزقين و المتربصين لفعل أي شيء يكسر روتين الاجازة الصيفية التي تمتد لتسعين يوما، نجلس تحت ظلال الحيطان وشجر الحى نراقب و نحصى حتى دقات قلوب المارة، و بالطبع لفت انتباهنا راعى القطيع المتزن الوقور الذى لا يحفل بوجودنا. كنا أيضا نتساءل بعفوية لماذا يرد البحر من حلتنا و لماذا لا يرده مع الرعاة الآخرين بالقرب من خور أبوعنجة في المنطقة التي يطلق عليها اسم " الضمى " !
في مرة من المرات صاح ( تبشه ) احد افراد مجموعتنا مخاطبا لنا و يهدف الى إيصال صوته أيضا لراعى القطيع قائلا ( بالله شوفوا الخروف ده سمين كيف ! ده هسع خروف و له خرتيت ) !
لم يكن احد منا يتوقع رد فعل صاحب القطيع المتهيج و الغاضب و هو مندفعا تجاهنا بعصاه، فررنا من تحت الشجرة ناجين بجلدنا من عصاه المشرعة. لكن منذ ذلك الحدث اصبح الراعي الوقور هدفنا مشروعا لمجموعتنا للترفيه و كسر رتابة الاجازة الطويلة خاصة عندما عرفنا سبب غضبه هو خوف ( العين ) !!
اطلقنا عليه اسم ( خروف سمين ) ثم أصبحنا نتربص به و نكمن له في امكنة مختارة بعناية للصراخ كمجموعة ( خروف سمين ) و صار يطاردنا لمسافات بعيدة تاركا قطيعه، و كلما ازاد غضبه ازداد عبثنا . شئيا فشيئا انتشر الخبر بين مجموعات الحى الأخرى ، المدينة و الفرقان .....صار ( خروف سمين ) هو اللعبة المفضلة لدى الأطفال و المحبوبة من قبل الكل . عندما قرر تجاهلنا صرنا نمزج صياحنا ( خروف سمين ) برمي الحجارة عليه ، و لم هنالك بالطبع رد من جانبه غير مطاردتنا ، لكنه لم يستطيع اطلاقا القبض على احد من افراد الشلة أو من أطفال الفرقان الأخرى لعل مرد ذلك كان عامل العمر و السن.
انقضت إجازة الصيف و رجعنا الى مدارسنا و متابعة دروسنا ثم انقطعت صلتي بالحي لرحيلي للسكن مع شقيقتي لغياب زوجها. بعد عدة أعوام و قد تعديت مرحلة الطفولة و في سبيلي للالتحاق بالجامعة ، و عندما كنت اتجول في ( السوق الكبير ) بأمدرمان ، سمعت احد البائعين المتجولين في السوق يصرخ بصوت عالي مناديا ( خروف سمين ) ثم شخصا مهترئ الملابس كثيف الشعر ينطلق من وراءه مطاردا......لدهشتى كان ذلك الشخص هو ( خروف سمين ) الذى عهدته فى الصغر ، و قد أصبح معتوها و مخبولا !.....انتابني شعور بتأنيب الضمير اضافة الى الاحساس بالذنب و الخجل !
عدنان واهر
22 أكتوبر 2025
اغنام المرينو : نوع مميز من الضأن يربى في اسبانيا و صوفه غالى الثمن و كان يحظر تصديره بأوامر الحكومة خارج اسبانيا.
الضمى : مكان الشرب للضأن و الماعز و كان في امدرمان بالقرب من كبرى ابوعنجه الحالي.

تعليقات