top of page
بحث

" ترمب " و جائزة نوبل للسلام !

  • Adnan Zahir
  • 9 يوليو
  • 5 دقيقة قراءة

 

( نوبل ليست عدالة مطلقة بل انعكاس لنقاط قوة و ضعف المؤسسات التي تمنحها )

كريستوفر أرك هيتشنر *

1

جاء في وسائل الاعلام المختلفة ان ( بنيامين نتنياهو ) قد رشح رئيس الولايات المتحدة الامريكية ( ترمب ) لنيل جائز نوبل للسلام، و هو قرار مثير للسخرية الدهشة و الجدل كما ينطبق عليه القول السائر ( المٌرشِح لا يملك المعايير الأخلاقية و الإنسانية لحق الترشيح كما انه قام بترشيح من لا يستحق ) !

لكن قبل الدخول في مناقشة أسباب و انعكاسات هذا القرار، لا بد لنا من القاء الضوء على جوائز نوبل و مؤسسها، و التي نالت قدرا كبيرا من الاهتمام و النقد في آن واحد لبعض قرارتها المتعلقة بأساليب، أسباب و طرق منح الجائزة.

مؤسس " نوبل " هو السويدي الجنسية ( الفريد برناد نوبل ) المولود في السويد في العام 1833 و المتوفى في العام 1896 ب ( سان رينو ) بإيطاليا. و هو مهندس كيمائي ،مخترع ، رجل أعمال و مالك لمصانع لتصنيع السلاح و المليونير لاحقا.

يمتلك المئات من براءات الاختراع المسجلة، و لكن أهم إنجازاته هي صناعة ( الديناميت ) في العام 1867 الذى يعتبر نقلة نوعية في العلوم ،كما من جانب آخر كان هذا الاختراع سببا في انشاء جائزة نوبل للسلام. فاختراع الديناميت و استخدامه في الحروب أدى الى موت الملاين من البشر، مما دفع ألفريد ليكتب في وصيته تخصيص ( جائزة سنوية تمنح لأهم الأعمال في الفيزياء ، الكيمياء، الطب ، الأدب و السلام. تمنح لأولئك الذين قدموا أكبر فائدة للبشرية خلال الأعوام السابقة ).

المعايير الأساسية للأشخاص الذين منحت لهم جائزة نوبل يمكن تلخيصها في الآتي :

1- المساهمة في حل النزاعات البشرية المنتشرة في الكرة الأرضية و التي تؤدى عادة الى موت و فناء الملايين بالإضافة الى تدمير البنيات الأساسية للمجتمعات.

2- العمل الدؤوب لنزع السلاح الذى يهدد بفناء البشرية خاصة الأسلحة النووية.

3- المساهمة في العمل على نشر ثقافة حقوق الانسان و التضامن مع ضحايا حقوق الأنسان.

4- المساهمة في تقديم العمل الإنساني للمجتمعات.

5- العمل من أجل إرساء قواعد الديمقراطية و النضال ضد الديكتاتورية.

جائزة نوبل للسلام كما أوصى مؤسسها تمنح من قبل لجنة نرويجية في ( أوسلو ) عاصمة النرويج ، كما تمنح باقي الجوائز المتعلقة بالفيزياء ، الكمياء ، الطب و الادب من قبل لجنة في عاصمة السويد ( ستوكهولم ).

قرار الموصي أو صاحب الوصية ليس عشوائيا، و لكن كانت له أسبابه التاريخية و العلمية، فقد كانت السويد و النرويج دولة واحدة قبل انفصالهما في العام 1905 ، أما فيما يختص بالجوائز العلمية و الأدبية فالموصي يعتقد أن السويد أكثر تقدما في هذه الجبهات. قيمة الجائزة المرصودة تعادل ما قيمته مليون دولار أمريكي ، عدد ليس بالقليل من قد منحوا الجائزة، رفضوا استلام المبلغ أو تبرعوا به.

2

وقد وجهت كثير من الانتقادات الى لجان مانحي جائزة نوبل ليس ذلك فقط في مجال السلام و لكن أيضا في كل الجبهات الأربع التي قمنا بذكرها في المقال أعلاه، و يمكن حصر تلك الانتقادات في الآتي مع ايراد للأمثلة :

1- تغليب المعايير السياسية على المعايير المتعلقة بمنح جائزة السلام، كما توجد هنالك اجندات خفية و اهمال ناشطين حقيقيين هم أحق بنيل الجائزة . هنا نورد بعض الأمثلة لاختيارات وجدت نقدا كثيفا اولهما ( هنري كيسنجر ) الذى منح الجائزة في العام 1973 و هو المهندس في توسيع الحرب في فيتنام بما في ذلك القصف السرى ( لكمبوديا و لاوس ) الذى أسفر عن سقوط آلاف القتلى المدنيين ، كما تم منح ( باراك أوباما )  جائزة نوبل للسلام2009  و بعد 9 أشهر من اختياره رئيسا وفى فترة رئاسته توسعت حروب أمريكا الخارجية في ( اليمن الصومال )  ، مثال أخر منح ( أنور السادات ) الجائزة مشاركة مع ( مناحيم بيقن ) في العام 1979  بعد توقيعه اتفاقية السلام مع إسرائيل و التي أدت في النهاية الى اغتياله. كما أن هنالك ازدواجية في استخدام المعايير فلم يمنح ( المهاتما غاندي ) الملقب برسول السلام جائزة نوبل للسلام لتعاطف اللجنة مع السياسات البريطانية !!!!

2- اما في جائزة الأدب فحدث بلا حرج، فقد طغت المعايير السياسية على الجائزة كما تم تتجاوز معايير الأثر العالمي للكاتب، الابداع و الاستمرارية، فقد أصبحت تمنح للمعارضين للأنظمة التي لا تتفق وخيارات الغرب ،كما تجاوز الاختيار ادباء عظام رغم اسهامهم في ترقية الأدب العالمي و اسهاماتهم العظيمة، و رغما عن ترشيحهم عدة مرات، مثال لذلك الكاتب الروسي  ( ليو تولستوي ).

بالإضافة للتحيز الواضح ضد الأدب الأفريقي فمن جملة 120 فائز بجائزة الأدب فاز خمس افارقة فقط هم ( وولى سوينكا ) النيجري كأول أفريقي يحوز على هذه الجائزة في العام 1986 ، تلاه ( نجب محفوظ ) المصري 1988 ، ( نادين جورديمر ) – جنوب افريقيا 1988 ، ( جون ماكسويل كويتزى ) جنوب افريقيا 2003 ، ( عبدالرزاق قرنح ) – تنزانيا 2021 . مما يجدر ذكره هنا ان معظم الفائزين بالجائزة  قد كتبوا باللغة الإنجليزية ما عدا نجيب محفوظ ، كما لم تفز أي من النساء الأفريقيات عدا ( نادين جوردير ) و هي من أصل أوربي !!

3- في جوائز الفيزياء، الكمياء و الطب  تتركز الانتقادات على ان التركيز في منح الجوائز يوجه نحو أوربا و أمريكا ، كما يتم اهمال العلوم الحديثة و المجالات الجديدة بالإضافة الى تحيز ذكوري ضد النساء فحتى العام 2020 ومن أصل 602 فازوا بالجائزة لم يكن بينهم غير 63 !!!

4- فساد داخل اللجنة، ففي العام 2017 اتهم المصور الفرنسي السويدي ( جان كلود ارنو ) زوج عضو لجنة الاكاديمية ( كاترينا بر ستنسون ) بالتحرش و الاغتصاب كما وجهت اليه تهمة تسريب أسماء الفائزين بالجائزة و قد ادين أمام المحكمة و حكم عليه بالسجن عامين.

هذا الحدث أدى الى استقالة عدد ضخم من عضوية اللجنة بما فيهم ( كاترينا ) زوجة المدان، كما أدى الى تأجيل الجائزة في العام 2018 ، كل ذلك أدى الى ادخال اصلاحات عميقة في داخل هذه المؤسسة، لكن رغم كل ذلك فقد ألحق الحدث الأخلاقي  ضررا بليغا و كبيرا بسمعة لجنة نوبل للأدب كما أدى الى فقدان الثقة في قراراتها.  

3

نأتي بعد هذا السرد المختصر لمناقشة قرار ناتنياهو و لكن ابتداءا هل يملك حق الترشيح ؟

من ناحية إجرائية فقواعد لجنة نوبل للسلام تعطى الحق لرؤساء الدول و أعضاء البرلمانات بالإضافة لفئات أخرى مثل أساتذة مجالات العلوم الاجتماعية ، الفلسفة والتاريخ، القانون، معاهد أبحاث السلام ...الخ لذلك هو يملك هذا الحق لكن السؤال الذى يقفز الى الذهن مباشرة و من ناحية موضوعية....هل هو مؤهل أخلاقيا و سياسيا ليختار ؟ و هل المرشح الذى اختاره جدير بالحصول على جائزة نوبل للسلام ؟

الإجابة بالطبع نفيا فهو غير مؤهل و لا حتى مرشحه، هو متهم من قبل المحكمة الجنائية الدولية  بارتكابه جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية و أصدرت مذكرة توقيف بحقه، بالإضافة الى انه ساهم في قتل 45  الف فلسطيني في غزة خلال عامين و بمساعدة أمريكا ، اما ( ترمب ) فقد قام بالاعتداء على دولة ذات سيادة هي ايران وتدمير قدراتها النووية و هو يفتخر بذلك و يهدد بانه سيقوم بتدمير أي دولة يرى انها يمكن أن تهدد أمريكا، في تجاوز و الاحتقار على كل ما نصت عليه القوانين الدولية التي كتبت بعد تجارب مريرة للإنسانية.

تقول اضابير لجنة السلام التي يكشف عنها بعد مضى خمسين عاما ،ان برلمانيا سويديا قام بترشيح هتلر في العام 1939 سخرية و احتجاجا على السياسات الاوربية تجاه هتلر و التهاون معه.... لكن مع الأسف يبدوا ان ترشيح ترمب هذه المرة حقيقيا !!!

في اعتقادي ان الِترشيح يهدف الى ابتذال الجوائز التي تهتم بقيم الحرية ، العدالة و حقوق الانسان كما هو محاولة لتطبيع الأخطاء بقبولها و تمريرها .

ان مثل تلك الترشيحات سوف تتوالى طالما لم تكن هنالك معايير حقيقة و حاسمة من قبل لجنة السلام للترشيح و الاختيار . بالطبع يصعب التكهن بفوز ( ترمب ) لكن ذلك ليس مستحيلا فقد فاز ( كسينجر و أوباما ) من قبل، و لكن فوز ترمب اذا تم ، سوف يلقى بظلاله الثقيلة على العالم و على مصداقية جوائز ( نوبل ) التي هي أصلا قد اهتزت !!!

 

عدنان زاهر

8 يوليو 2025

 

- كريستوفر أرك هيتشنر : هو بريطاني أمريكي الجنسية، كاتب، صحفي، ناقد أدبى ، فيلسوف و مفكر علماني أشتهر بمعاركه الفكرية و المتعددة.

مراجع

Nobel Prize. Org

ChatGPT

DeepSeek

 من أكتوبر 2023 الى يناير 2025 بلغ عدد القتلى 45 الف - تقرير وزارة الصحة في غزه

 
 
 

المنشورات الأخيرة

إظهار الكل
ثلاث قضايا جوهرية اهملت بقصد !

1   الاحداث المتسارعة في الساحة السياسية السودانية مع سقوط الفاشر في يد الجنجويد ، ترك المجتمع في حالة صدمة و ذهول، فتفشت الفوضى و عدم الاستقرار التي لازمها جوع ، مرض و الركض وراء توفير اساسيات الحياة

 
 
 

تعليقات


bottom of page