top of page
بحث

العام الجديد.....و الفطن الوسيم !

  • Adnan Zahir
  • 2 يناير 2022
  • 4 دقيقة قراءة


درجنا مع أسرتى الصغيرة الأحتفال بعيدى الكريسماس و رأس السنة و تلك عادة توارثناها من أسرتى الكبيرة الممتدة .احتفالنا يالكريسماس يتمثل فى عشاء جماعى للأسرة يتوسطه ديك رومى صغير الذى يتواجد فى السوق فى هذا الوقت من العام بشكل مكثف و بسعر معقول، و عندما لاحظت احجام الأسرة عن أكله اكتفينا بدجاجة صغيرة مع بعض الأطباق المتنوعة. بعد العشاء تقوم البنات باقامة برنامج مرح و ثقافى مع تبادل الهدايا، أما الأحتفال برأس السنة أو السنة الجديدة فقد تركنا لكل شخص حرية الاحتفال به بالطريقة التى يريدها.

قررت مع زوجتى هذا العام الأحتفال برأس السنة فى المنزل بشكل مختلف، طالما وباء الكورنا المتحور الى " أمكرون " يتحكم فى السلوك الأجتماعى ليس فقط فى تورنتو و لكن فى جميع أرجاء العالم، بالاضافة الى ذلك الحزن و الكآبة التى تسيطر علينا جراء المجازر التى ترتكبها قوات السفاح البرهان و مليشات الجنجويد بقيادة حميدتى ضد الشباب العزل فى مدن السودان المختلفة.

ابنتى الصغري التى تدرس فى السنة الثالثة فى جامعة ( لندن – انتاريو ) و القادمة للمنزل فى اجازتها الشتوية لم تكن محددة أين و كيف تحتفل لكنها ذكرت امكانية الأحتفال معنا فى المنزل. عندما كنا نقوم بالاعداد للاحتفال المختصر، أتت أبنتى ذاكرة انها و صديقتها التى تقيم معها فى غرفتها بالجامعة قررا الخروج و التجوال و مشاهدة الألعاب النارية فى تورنتو و ذلك من داخل عربتها خوف الأختلاط بالناس . بالضرورة يجب أن أذكر هنا ان الكنديين يقومون فى هذه المناسبة و فى تمام الساعة التاسعة و النصف ليلا، باطلاق الالعاب النارية من شواطى بحيرة "انتاريو " و جزيرة " تورنتو " و يأتى الناس من جميع انحاء المدين لمشاهدتها خاصة الشباب. و عند سؤالى لها أين سوف يذهبا، أجابت الى عدة أماكن.

الحديث معها فجأة استدعى الى ذهنى ذكريات موغلة فى القدم، ارتسمت بذهنى طقوس الأحتفال بالعيدين الكريسماس و رأس السنة فى السودان فى ستينات و سبعينات القرن الماضى، قبل مجئ التتر و المغول ( النميرى – و كيزان الأنقاذ ) و استيلائهم على الحكم، تطبيق قوانين سبتمبر الجائرة على الشعب، و من بعده وأد الدولة السودانية.

مر شريط طقوس أحتفالات تلك الأيام بمهل على ذاكرتى...انتفخ و انداح حتى فاض، زاد من تمكن و حدة الذكريات أغنية ( الفطن الوسيم ) التى كانت تنبعث من اليوتيوب بصوت و أداء الفنان الشاب المبدع هانى عابدين بأداء مطرب و حنون.تذكرت كيف كنا نخطط قبل شهر للاحتفال بتلك الليلة مع شلة الحلة الرائعة ،الراحل عبد العزيز القندلاوي،يوسف عبودى و محمد محمود أطال الله فى اعمارهم.....مكان الأحتفال....الملابس الواجب ارتدائها فى ذلك اليوم.....نوع الأكل و الشرب.....تفاصيل مسير تلك الليلة و أشياء أخرى صغيرة.

كانت الأندية فى جميع أرجاء العاصمة تعج بالبرامج و الحفلات،أسرتى كانت تحجز قبل شهر فى احدى أندية العاصمة....النادى الأيطالى ، الكاثوليكى ،الأرمنى، نادى الضباط ، نادى الأطباء....الخ.اختيار النادى المزمع الأحتفال به كان يتم بناء على أسم الفنان الذى سوف يحى الحفل و نوع البرنامج الذى سوف يقدم. كان الأختيار صعبا لأن تلك الحفلات كان يحيها عماقة الفن السودانى فى ذلك الزمن و حتى اليوم،وردى،أبو الامين ، الكابلى،زيدان أبراهيم ،خليل أسماعيل،أبو عركى البخيت،محمد ميرغنى ، هاشم ميرغنى.... الخ ....." مولد بس " و لكن الأسرة كانت تختار باستمرار وتحيز فنى ، العندليب الأسمر زيدان أبراهيم.

كنت أفضل الاحتفال مع " شلتى " و أخبر الأسرة أنى سوف أنضم اليهم قبل نهاية الحفل. الشلة كانت تقوم باعداد عشاء خاص يحتوى على المشويات،السلطات و بقية المستلزمات !...نلبس أفخم الملابس و يجهز مكان الأحتفال.كنا نعرف مسبقا أن كل الأندية فى الخرطوم تضعف قبضتها بعد الثانية عشر و تفتح أبوبها للعابرين و كنا نتظر تلك السانحة للدخول الى أكبر عدد الأندية و الأستماع لأكبر عدد من الفنانين. فى العادة تستمر الحوامة بالعربة " المسكوفتش " شبه الهالكة، التى كان يمتلكها صديقنا عبدالعزيز فى ذلك الوقت طوال الليل و تنتهى تلك " المساسكة " فى الرابعة صباحا. يبدأ الطقس الثانى، و هو الذهاب الى سوق السمك بأمدرمان فى حينا الموردة و كنا نطلق عيه أسم " الملجة " لحضور مجئ الصيادين باكرا لاختيار و شراء ما نريد من اسماك و ذلك قبل حضور سماسرة السمك الذين يعملون على ارتفاع أسعاره حتى يتسنى لهم الأستيلاء عليه لوحدهم.

كنا فى العادة نقوم بشراء سمك العجل ، الدبس ، البلطى و لكن المهم شراء سمك القرقور " الصاحى " لعمل شوربة القراقير فى أول يوم للعام الجديد و ذلك طقس لا يمكن تجاوزه أو تجاهله، و لا أدرى من أين آتى هذا الطقس الذى كنا نمارسه باستدامة كأنه قانون مكتوب.

كثير من الناس لا يعرفون ان أفضل شوربات السمك و أطعمها هى شوربة سمك " القرقور "، و قد برع فيها من أهل الموردة جارنا و أخونا الكبير المرحوم حسن عبد الفراج المشهور بأسم " شحرة " كان حينما يصنعها و يقدمها لخاصته يقول على الدوام مقولته المشهورة (هذه شوربة كانت تقدم فقط للملك فاروق ) !! ثم يضيف ( شوربة القراقير تطيل العمر ) !......... حقيقة الأمر لم أتذوق مثل تلك الشوربة من بعد رحيله ،أخذت منه الطريقة و الصنعة و لكنى فشلت فى أن أطبح مثل شوربته.

نعود الى منازلنا بعد شراء السمك و الشمس تتلصص و تمد رأسها بحذر على مدينة أمدرمان معلنة عن قدومها، نأخذ غفوة قصيرة من النوم و نقوم بعد ذلك لطهى شوربة القراقير " المصلحة ". قطع انسياب ذكرياتى صوت أبنتى و هى تقول و قد أزمعت على مغادرة المنزل ( سأعود مباشرة بعد أنتهاء الألعاب النارية ). قلت لنفسى متفلسفا و هى تغادر المنزل ( نحن نتجدد باستمرار فى أبناءنا و بناتنا و لكن باشكال أكثر رقيا و تطورا )...........كانت أغنية " الفطن الوسيم " على وشك الأنتهاء....قلت لزوجتى و بلطف أن تعيدها مرة أخرى للأستماع اليها ثانية !!



1 – 1 – 2022
 
 
 

المنشورات الأخيرة

إظهار الكل
مهرجان تورنتو السينمائي 2025

TIFF تجرى في مدينة تورنتو في الرابع  و حتى الرابع عشر من هذا الشهر – سبتمبر، فَعالية مهرجان تورنتو السينمائي المعروف باسم ( تِف ). في هذا...

 
 
 
جزيرة ( ساونا )

Saona  Island 4   تقع ( جزيرة ساونا ) عند الطرف الجنوبي الشرقي للدومنيكان داخل البحر الكاريبي، و تعتبر جزء من منتزه الشرق الوطني.  للقيام...

 
 
 

1 تعليق واحد


Tariq Hassan Elshaikh
Tariq Hassan Elshaikh
02 يناير 2022

رائعه هذه الذكريات والنوستالوجيا الاليفه لايام جميله في الوطن الذي كان ... شكراً ياعدنان

إعجاب
bottom of page