top of page
بحث

أنور ود الحوش ....وكفى !

  • Adnan Zahir
  • 3 يوليو
  • 3 دقيقة قراءة

 

في الحقيقة الكتابة عن رحيل انسان في قامة أنور ود الحوش صعب بلحيل، ذلك لأن الكلمات اما ان تعجز عن وصفه كما قال البعض عند نعيه، و اما أن تتدفق فتغرق عشرات الدفاتر التي لن تقوى على حملها. رغم تلك المحاذير فقد أردت أن أقول شيئا مقتضبا لا اسراف فيه و ليس فيه أيضا نقصان، اود فقط أن أعطيه حقه و كفى.

عندما عدت في الإجازة الصفية للسودان قبل بدء حرب " المغول " ذهبت عصرا لمنزله لمعايدته لأنى سمعت انه ( متحسس ) شوية . رحب بي بحماس كعادته و بعد فترة قصيرة قام  بارتداء قميصه ثم ذكر يجب أن تزور صديقنا " وليد عبد الحفيظ " لأنه تعرض لحادث في رجله. كانت رائحة ( البمبان ) تسمم الجو والعساكر المدججين بأسلحة قتل الشباب تجوب الشوارع، سلكنا بحذر الطريق التحتاني شاقين طريق الأدارسة حتى بلغنا منزل وليد بفريق الهاشماب ....ذلك كان أنور ود الحوش، الواجب عنده مقدما.

عندما أحضر لنا أنور الى العمارة ( حى المطار ) معتقلا، و تفنن الجلاد " مهدى " في جلده و تعذيبه صمد كالأسد و نظرات الاحتقار تواجه جلاده دون وجل، ذكر لي بعد ذلك و بعد خروجه من المعتقل انه قابل صدفة الجلاد مهدى. حاول مهدى الهروب و عندما لم يجد طريقا له، أتي الى انور متذللا طالب صفحه. اوقفه أنور بإشارة من يده قائلا ( ما تعتذر يومكم جاي )... و قد كان.

كان أنور رجل المهمات الصعبة ، مكتشف الحلول لكل المشاكل و متذوقا رفيعا للفن و الأدب، عندما أتيته لاختيار فنان لحفل زواج ابن شقيقتي ، لم يفكر كثيرا و طلب منى أن نذهب و نتعاقد مع ( رمضان زايد ) لإحياء الحفل ، و ذاكرا لا داعى لبعض الأسماء اللامعة إعلاميا !

عندما أخبرته عن زواجي و ان زيدان إبراهيم قد اعتذر لارتباطه بعقد مسبق لإقامة حفل ، قال لي  ( لا يهمك نمشى مركز شباب السجانة و هنالك فنان اسمه عثمان زيدان ) و هو البديل المناسب لزيدان ...و قد كان فقد غنى و أبدع .

عندما أحضر الى السودان كان و صديقه اللدود منصور محمد خير الذى رحل أيضا قبل عامين،  يقومان بترتيب الجلسة أو القعدة ،سمها ما شئت، كان أنور يشرف على كل كبيرة و صغيرة اما في الجلسة التي كانت في العادة محضورة بعدد مقدر من الأصدقاء ، كان أنور كعادته يناكف منصور الذى هو أيضا لم يكن مقصرا في السخرية ، لتزدان الجلسة بالبهجة و الفرحة.

ود الحوش أنور كان جسورا شجاعا ، كريما و متواضعا لا يهاب أحدا في قول الحق، كنا نتقابل يوميا في دكان شوقي في سوق الموردة لتبادل الاحاديث و الأخبار و كان على الدوام حاملا في شطنته التي تشبه ( الخرج ) عدة القهوة و البن الذى لا تجد له شبها او مذاقا عند غيره، كأنما يستورد له خصيصا فيتحفنا بالقهوة التي تعدل المزاج.

أنور رغم مرض السكرى الذى أنهك جسده مما أدى الى صعوبة تحركه فقد كان مجاملا لا يتغيب عن أي عزاء لأصدقائه المنتشرين في العاصمة المثلثة ،كان مواصلا لأبعد الحدود و مجاملا.

كان عفيفا و لا يتحدث عن نفسه و ما يقدمه للغير من خدمات، كنت في امسيات رمضان اذهب اليه في المنزل لتناول القهوة ، و أنا أجلس معه اتصل بي احد الزملاء المحامين ذاكرا انه في امدرمان و متوجه لزيارتي، اخبرته أن يأتي الى عند أنور بالطبع بعد استئذانه.

عندما حضر كان معه ابنه الصغير ،خرج أنور من المنزل مسرعا و عندما أتى راجعا كان يحمل معه زجاجات العصير البارد و قطع من الحلوى لابن صديقي. للصدف الجميلة فقد أتى في ذلك اليوم عدد من الأصدقاء لزيارته، تبادلنا الحديث المتنوع الذى هبش كل أوجه الحياة ثم غادر صديقي الى منزله

في اليوم التالي عندما قابلت صديقي ،ذكر لي  انه سمع عن ناس أمدرمان كرمهم و ترحيبهم بالضيوف و ثقافتهم و قد شاهد كل ذلك بالأمس. قلت له انك كنت محظوظا فقد كنت تجلس في معية ود الحوش و معه شلة من المثقفين و المناضلين الذين عركتهم الحياة .

هسع يا أنور أنا لم أتكلم عن انضباطك الحزبي و لا عن تضحياتك، اخلاصك و تفانيك في العمل لخدمة قضايا الجماهير و الحزب. انت زول انسان يندر أنت تجود الدنيا بأمثالك، فارقد في سلام فقد اديت دورك وواجبك كاملا في الحياة غير منقوص... و كفى !

 

عدنان زاهر

2 يوليو 2025

 


 
 
 

المنشورات الأخيرة

إظهار الكل
مهرجان تورنتو السينمائي 2025

TIFF تجرى في مدينة تورنتو في الرابع  و حتى الرابع عشر من هذا الشهر – سبتمبر، فَعالية مهرجان تورنتو السينمائي المعروف باسم ( تِف ). في هذا...

 
 
 
جزيرة ( ساونا )

Saona  Island 4   تقع ( جزيرة ساونا ) عند الطرف الجنوبي الشرقي للدومنيكان داخل البحر الكاريبي، و تعتبر جزء من منتزه الشرق الوطني.  للقيام...

 
 
 

تعليقات


bottom of page