أعترف بأننى قد عشت !

يصادف اليوم 26 نوفمبر عيد ميلادى ( أو ذكرى مولدى )، و هو وقت تعودت فيه أن استعرض او لنقل أن " أمر " بتمعن على سنوات عمرى الماضية. الغرض ليس التقييم الحسابى المحض و جرد الربح و الخسارة، فانا ليس على عشق مع الأرقام منذ نشأتى الاولى، و لكن الهدف عموما هو كيفية تعاملى مع الحياة. الغرض فى عمومه هو ما مدى عطائى لها و أخذى مما تتيحه من فرص و مزايا، باختصار شديد مساهمتى المتواضعة مع الآخرين فى دفع عجلاتها الى الأمام و تطويرها.

قلت " تطويرها "... يا لضخامة الكلمة و فخامتها و يحق بالطبع للبعض أن يقول " ده كلام كبير " ! .....لأن وفق المفهوم العام ،ذلك التطوير يعنى اختراع آلة " روبوت " أو نظرية تحلحل مشاكل الناس المتراكمة، بالطبع ذلك الفهم للآخرين ليس خطأ على اطلاقه، لكن وفق مفهومى المتواضع، تطوير الأنسانية أيضا يبدأ من تكوين الأسرة الصغيرة المتماسكة،المساهمة مع الآخرين فى حل قضايا الناس المتشابكة و الألتزام بها، ذلك يعنى فى نهاية الأمر المساهمة فى الدفاع عن حقوق الآخرين و حقهم فى العيش الكريم و الحرية، ذلك جانب.

أما الجانب الآخر للحياة، و هو ذو صلة ما بالجانب الأول، هو أن نعرف كيف نحيا و نعيش، كيف نسعى أن نكون سعداء وفقا لما هو متاح، ما نبذل من جهد مشروع و عزيمة للوصول الى أهدافنا و العمل داخل الذات لرفع الدرجات التى تؤدى للانسجام و التواؤم مع الدنيا. ذلك أيضا نسبى و خاص.

السنين ظلت تتأرجح و لكنها تمضى دائما الى الأمام ( سفر كتير و غربة موجعة، نجاح و فشل، فقد لناس عزاز وحزن عميق و مقيم،

أصدقاء جدد مريحين و مبدعين، افكار خلاقة، عمل جاد و مجهد ، رحلات مميزة و اماكن بعيدة وموحشة، شوارع خلفية خافتة الاضاءة تتداخل و تلتف كأفعى " المالينى " ، كتب عميقة و ممتعة، سجن، بيوت أشباح و اعتقال طويل منهك ، قصائد لشعراء تقطع النفس و تخترق الوجدان،غناء سمح يطبط على الخاطر، حنان و تعاضد من الأسرة الكبيرة،والصغيرة و الأصدقاء، بنات حليوات، ناجحات و مدهشات، ونساء عاشقات......).

هل ما ذكرته يدخل فى مفهوم الحياة التى نسعى و نجتهد لنعيشها، تلك الحياة المفعمة بالحراك،الابداع، التجديد، و المغامرة............أعتقد ذلك !

الفنان اليابانى " هوكوساى " قال:

( منذ السادسة من عمرى شرعت فى رسم الأشياء، فى الخمسين نشرت عددا لا يستهان به من الرسوم، لكننى كل ما أنجزته قبل بلوغى سن السبعين لا يرضينى. فى الثالثة و السبعين بدأت بفهم أشكال الطيور و الأسماك و النبات و طبيعتها مما يعنى أننى سوف أتطور كثيرا حين أبلغ الثمانين و أصل حين ذلك الى عمق الأشياء. فى المائة من عمرى سأصل على درجة أعلى لا يمكن وصفها. فى العاشرة بعد المائة سيكون ما أرسمه حيا سواء ان كان نقطة ام سطرا....)!!!!!

الفنان العالمى المبدع ذكر ذلك و هو فى الخامسة و السبعين من عمره.....حديث يعكس عمق الأيمان بالحياة و الاستعداد للابداع و التجويد لكن للأسف لم تكتمل احلامه ليصل للمائة التى تمناها.

بالطبع لا املك " طمع " هوكوساى و ابداعه، لكنى لا زلت أؤمن أن هنالك سنوات واعدة قادمة، مشاريع مهيبه لم تنجز،جزر لم تزار بها حنان مدفق فى الشوارع، كتب معتقة تنتظر التدقيق والنشر تحتوى على كلمات وردية لم تقال من قبل، رحل لصيد السمك مع الأصدقاء القدامى و الجدد............عيييييييييك !

أخيرا و دون زيادة " نقه " ، أمام تشكيل الحياة، حلاوتها و قسوتها ،صعودها و هبوطها احيانا أخر ، هل يمكن أن أستعير عنوان كتاب شاعر تشيلى الفذ " بابلو نيرودا "، و أقول ( أعترف بأننى قد عشت ) ؟!!

عدنان زاهر – 26 نوفمبر 2022

أفعى المالينى :حية توجد فى جنوب شرق آسيا.

"أعترف بأننى قد عشت " : مقتسبة من كتاب ( مذكرات بابلو نيرودا ).