top of page
بحث

" معضمة " نساء ......و " معضمة " رجال !!

  • Adnan Zahir
  • 21 مايو 2024
  • 6 دقيقة قراءة

 

 

1

 

بالرغم من الحزن و الألم الذى أحس به و أنا أتناول بالكتابة هذا الموضوع إلا اننى أرى من الضرورى التحدث فيه أو عنه و تناوله رغم حساسيته ،  لاننى أعتقد من الواجب ابداء الرأي فيه ، لعل ذلك يعطى بعض الهدوء و طمأنة للنفس.

ذهبت لزيارة مصر لمدة شهر، و ذلك لثلاث أسباب هي مقابلة أهلى الذين اضطروا الى اللجوء أليها تفاديا لمجاذر " الجنجويد " أو " الدعم السريع " في العاصمة الخرطوم،....زيارة قبر زوجتى المتوفية في القاهرة منذ فترة مع بناتى، و التي لم توفر لنا الظروف لزيارة قبرها طيلة الفترة السابقة .

 و هي قد دفنت في مقابر السودانيين بالقاهرة بالمقطم شرق القاهرة المعروفه باسم ( دار الحق ) و المقابر المذكورة تمتد فى مساحة لا تتعدى الثلثمائة متر ، و قد تبرع بها السيد عبدالله سعيد بوارث و الحاج عباس الحاج و شيدت تحت اشراف الشيخ البيومى أحمد يوسف في العام 1985 .

 للصدف المقابر كانت لا تبعد كثيرا عن المكان الذى سكنا به هذه المرة، و هو الحى الثامن مدينة " نصر " بالقاهرة، و كنت قد احتفظت بالمعلومات التي تتعلق بمكان دفنها و مواراتها الثرى طيلة العشرين عاما الماضية، بما في ذلك أسم " التربى " و هو الشخص الذى أشرف على مكان دفنها.

  و السبب الثالث و الأخير هو العمل على طباعة كتابى الثانى الذى انعدمت إمكانية طباعته في السودان نتيجة للحرب الدائرة بين الجيش و الجنجويد ، و لسهولة الطباعة في مصر و معقولية رسومها.

2

تمت زيارتى لمكان دفن زوجتى مع بناتى أكثر من مرة، و ترحمنا و تصدقنا على روحها ، وبا الرغم من الحزن و الألم الذى تسيد على الجميع فقد شعرت من جانبي بكثير من الراحة لهذه الزيارة، التي تمت بعد فترة طويلة و ذلك بالاصرار من جانبنا على أداء ذلك الواجب الملح.

ما لفت انتباهى في هذه الزيارات المتكررة هو وجود مبنيين على شكل غرفتين بحجم صغير في نهاية مساحة المقبرة، كتب في الخارج عليهما ( معضمة نساء ) و في الأخرى ( معضمة رجال ) !

عند التقصى عن أمرهما عرفت أنه بعد فترة من الزمن قد تمتد لخمسين عاما أو أكثر، تنقل رفات من دفنوا الى تلك الغرف التي هي أشبه بالمخازن لافساح المجال لموتى آخرين. بالفعل دهشت و فُجعت بالأمر و من ثم توالت الأسئلة المشروعة في ذهنى.

لكن قبل طرح تلك الأسئلة المشروعة، أحب أن أورد بعض الكتابات  التي تَعرف ما هي " المعضمة " أو " المعظمة " لتنوير القارئ الذى لم يطلع على تعريفها.

في المعاجم العربية يعرف العظم  بانه : القصب الذى عليه اللحم.

جاء أيضا فى الويكيبيديا ان  ( المعظمه " هو قبو او مخزن تخزن فيها بقايا الهياكل العظمية البشرية ) .

كما كتب أحد الأشخاص سائلا لأحد المواقع الإسلامية ( نحن في مصر المقابر غير شرعية حيث يدفن الأموات في غرف و نحن الآن في مشكلة و هي أن العين المخصصة لدفن الرجال قد إمتلأت فهل يجوز لنا في حالة دفن ميت جديد ان ننقل رفات اقدم ميت الى ما يسمى بالعظامه و هي عبارة عن فتحة مربعة صغيرة يتم تجميع الرفات داخل قماش الكفن في شكل صرة ووضعها داخل الفتحة لإخلاء مكان لميت آخر فهل يجوز و جزاكم الله خيرا)

الإجابة على السؤال بدافع التوثيق كانت ( فقد بينا في الفتوى رقم : 25133  الحالات التي يجوز فيها نبش القبور،أما نقل عظام الميت من قبره الى موضع آخر لحاجة ميت جديد أو أحد الأحياء فانه لا يجوز ).

 بعض هذا التعريف الموجز الذى حاولت فيه ايراد بعض ما كتب عن المعضمة أو المعظمة يأتي دورى لالقاء الأسئلة المشروعة لأى أسرة تضررت في هذه الحالة من ذلك السلوك التعسفى المتنافى و المتعارض للكرامة الأنسانية  و أبسط معايير احترام الأنسان و أجملها في الآتى :

1- كيف تم نقل رفات الموتى بما فيهم رفات زوجتى الى تلك الغرف المسمية بالمعضمة ؟

2- هل هنالك فترة من الزمن لنقل الرفات أم تترك لمزاج التربى  ....... ...مع العلم أن رفات زوجتى لم تتعدى العشرين عاما ؟!

3- من هي الجهة التي تحدد نقل رفات الموتى بمقبرة السودانيين ؟

4- هل يمكن نقل الرفات دون ابلاغ أسرة المتوفى ؟

5- ما هي المشروعية القانونية ، الدينية و الأخلاقية التي اسُتند عليها عند نقل الجثمان ؟

6- كيف يطلق على الرفات اسم " معضمة " التي تحمل في طياتها عدم احترام للمتوفى و كأن الميت كلب ضال ؟!

7- هل تم فرز رفات المتوفين الذين تم جمعهم في مكان واحد ؟ و كيف يمكن الحصول على رفات احد الموتى اذا أراد عائلته نقله الى مكان آخر ؟!

معرفة الأجوبة على هذه الأسئلة سوف تحدد الأجراءات التي تتخذها الأسرة لاحقاً بعد ذلك.

3

نظمت  الديانات السماوية و الإسلام من ضمنها، كيفية التعامل مع الموتى و احترامهم باعتبار ذلك تكريم للإنسان، كما نظمت القوانين الوضعية لكل دولة كيفية التعامل مع الموتى و يدخل في ذلك التعامل مع رفات المنتقلين الى رحاب الله.

في مصر يحدد قانون الجبانات رقم 5 لسنة  1966 و لائحته التفيذية طريقة عمل  الجبانات و أدارتها  وقد جاء تعريف الجبانات في هذا القانون كلآتى :

( كل جبانه عامة مخصصة لدفن المونى قائم فعلا وقت العمل بهذا القانون )

وبما أن قانون الجبانات رقم 5 – 1966 و لائحته التفيذية لم يتضمن نصا يعاقب جنائيا على انتهاك حرمة الموت و تدنيسها فقد ورد ذلك التجريم في قانون العقوبات المصرى.1

نصت المادة 160 من قانون العقوبات الآتى ( يعاقب بالحبس و بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين – كل من انتهك حرمة القبور أو الجبانات أو دنسها. و تكون العقوبة بالسجن الذى لا تزيد مدته على خمس سنوات اذا أرتكب أي من الجرائم المنصوص عنها في المادة 160 تنفيذا لغرض ارهابى ).

في توصيف لشكل جريمة انتهاك حرمة القبور و تدنيسها أكد المشرع ( على انها فعل مادى من شأنه الاخلال باحترام الموتى و أن يكون الفعل معبرا عن إرادة الجانى و رغبته، و أن يكون من شأن الفعل امتهان حرمة القبور أو تدنيسها كاخراج الجثث من المقبرة في غير الأحوال المصرح بها قانونا و القصد الجنائى أن يرتكب الجانى بارادته الفعل المؤثم و المجرم شرعا و قانونا ).  

 القانون الدولى الأنسانى في كثير من المعاهدات نظم كيفية التعامل مع الموتى إبان الحروب أو الكواراث الأنسانية و يشمل ذلك أيضا أوقات السلم باعتبار أن ذلك السلوك يحافظ على إنسانية المتوفى.

أوردت تلك الدفوع المبدئية، القانونية و العرفية لتبيان جسامة الخطأ الذى تم بنقل رفات زوجتى الى " معضمة " حتى دون إبلاغ الأسرة، و لم يكن ذلك من المستحيلات اذا حسنت النية و أراد من فعل ذلك احترام المتوفى و ذويه و احترام المشاعر الأنسانية للآخرين.

من جانب آخر لا أرى مسوغا قانونيا أو أخلاقيا لنقل رفات انسان في فترة لم تتجاوز العشرين عاما أو غيره ، و هذا الفعل يعكس بشكل فاضح و مجسم عدم احترام السلطات التي قامت بذلك الإجراء للمتوفى كما ينتهك كرامة الأنسان الذى نصت عليه كل الأديان و الكتب السماوية و القوانين الدولية الأنسانية، كما أن الفعل يعكس الأستهتار و النظره الدونية لمن رحلوا عن عالمنا.

ان ذلك الفعل الذى يقع في خانة الفعل الإجرامى و عدم احترام الموتى و مخالف للقانون، و قد تسبب للاٍسرة في أضرار وجدانية و نفسية لا يمكن جبرها بأى حال من الأحوال.... بالله هل يمكن أن تتخيل و انت تزور أحد تحبه و تعزه في مكان مدفنه، و من ثم تفاجأ ان رفاته تم نقلها الى " معضمة " و انت لا تدرى كيف تم ذلك و دون اخبارك !!!!! ذلك بالطبع يعكس مدى الاستهتار في التعامل مع المتوفى و عائلته .

في الدول المتقدمة لا يمكن تشريح جسم انسان متوفى قبل الرجوع الى اسرته لأخذ الموافقه و حين الرفض لا يشرح، ناهيك عن نقل رفات شخص في " صره "!!... ومن ثم خلطها مع رفات آخرين كما حدث في الحالة التي أحكى عنها !!!

ولنبين مدى احترام الموتى فهنالك في وسط الخرطوم و في مواقع استراتيجية مقابر لليهود و أخرى لجنود " الكومنويلث " لا زالت تقبع في مكانها لفترة تقارب قرن من الزمان و لم توضع عظامهم في " صره " و تركها في مكان آخر !!!!

سؤال أخير و مهم للغاية... هل يتم مثل ذلك التعامل مع رفات الموتى المصريين ؟!....و كم من الأسرة السودانية حولت رفات من فقدوا الى " المعضمة " بدون استشارتهم ؟!!

 

 

عدنان زاهر

مايو 2024

 

 

هوامش

1- يبدوا أن النقص الذى لازم قانون الجبانات المصرى لسنة 1966 دفع السلطات في الوقت الراهن لتقديم مشروع قانون جديد لتفادى ذلك النقص ، و ذلك بتعديل خمس مواد و إضافات خمس مواد جديدة أهم تلك التعديلات:

- تقليص سلطات التربى

- وضع حد لاسعار القبور المبالغ فيها و كيفية منح التراخيص للتربى

- و أهم تلك التعديلات هي العقوبة عند نبش القبور بالغرامة و السجن.


2 – التربى هو من يقرر امتلاء المقبرة و اخطار الأسر المصرية بذلك.


3- في زمن الكرونا قالت الصحف المصرية ان سعر المقبرة الخالية بلغ خمسة ألف جنيه مصري!!!!

 
 
 

المنشورات الأخيرة

إظهار الكل
مهرجان تورنتو السينمائي 2025

TIFF تجرى في مدينة تورنتو في الرابع  و حتى الرابع عشر من هذا الشهر – سبتمبر، فَعالية مهرجان تورنتو السينمائي المعروف باسم ( تِف ). في هذا...

 
 
 
جزيرة ( ساونا )

Saona  Island 4   تقع ( جزيرة ساونا ) عند الطرف الجنوبي الشرقي للدومنيكان داخل البحر الكاريبي، و تعتبر جزء من منتزه الشرق الوطني.  للقيام...

 
 
 

تعليقات


bottom of page