محاكمة نورمبرج !....المحاسبة
- Adnan Zahir
- 30 يوليو
- 4 دقيقة قراءة
تاريخ التحديث: 31 يوليو
Judgment At Nuremberg
( بدون عدالة، لن يكون هنالك سلام دائم، المحاسبة ليست انتقاما، بل هي ضمانه لعدم تكرار الجرائم.....كل من يقتل انسانا يجب أن يعرف انه لن يفلت من العقاب )
بنيامين فيرنتس
مدعى في محاكمات نورمبرج
( المحاسبة هي الخطوة الأولى نحو الشفاء....الضحايا يحتاجون الى رؤية الجناة يحاكمون لاستعادة ايمانهم بالعدالة )
القاضية – نافانيثيم بيلاى
مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الانسان
شاهدت قبل أيام و للمرة الرابعة فيلم ( محاكمة نورمبرج )، تم الأمر بالصدفة و لكن استمريت في مشاهدته حتى النهاية. ووصلت الى نفس النتيجة التي كنت مقتنعا بها عندما شاهدته المرة الأولى . الفيلم رغم قدمه، موضوعه لا زال يثير قضايا ذات أهمية قصوى تلامس ما يجرى اليوم في كثير من أرجاء العالم أهمها قضية " المحاسبة " لمن ارتكبوا جرائم ضد الشعوب، وهى قضية ذات بعد قانوني و أخلاقي، لذلك مشاهدة الفيلم ليست ضرورية فقط للقانونيين و لكنها ضرورية أيضا للأشخاص العاديين. في محاولة لتقريب احداث الفيلم للقارئ أحاول ابتداءا تقديم نبذة بسيطة عن نوعية المحاكمات التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية في العام 1945 .
المحاكمات
في السنوات التي أعقبت الحرب و تحديدا بين الأعوام 1945 – 1949 تكونت محاكم خاصة لمحاكمة مجرمي النازية أو المتسببين في مآسي الحرب العالمية الثانية. و في البداية كونت محاكمة من الدول الحلفاء ( الولايات المتحدة ، الاتحاد السوفيتي ، بريطانيا ، فرنسا ) سميت ( المحكمة العسكرية الدولية ) في الأعوام 1945 – 1946 و تمت فيها محاكمة القادة النازيين مثل ( غورنج و هيس ) و بعض قادة الجيش مثل ( فيلهنم كاتل )، غورنج قائد الجستابو الأول و لاحقا قائد القوات الجوية، و صدرت احكام الاعدام بحق بعضهم و منهم من سجن. المجرم ( غورنج ) انتحر قبل إعدامه بساعات بواسطة حبه ( سيانيد ) أرسلت اليه داخل السجن و لم يكتشف مرسلها حتى تاريخ اليوم.
بعد ذلك بدأت المحاكم المتخصصة من قبل الولايات المتحدة، فتمت محاكمة الأطباء الذين مارسوا أفعال مخالفة للإنسانية مثل التعقيم و اجراء تجارب على البشر و منهم طبيب هتلر الخاص ( كارل براندت ) الذى تم اعدامه.
تمت محاكمة القضاة و المحامين الذين ساهموا في تثبيت و استخدام قوانين القهر لاستدامة النظام النازي ، محاكمة بعض أفراد الرأسمالية الصناعية التي ساهمت في امداد آلة الحرب النازية بالأسلحة، محاكمة فرق الموت و الإبادة لليهود و الغجر، ثم كبار موظفي الدولة الذين ساهموا في سياسات التطهير العرقي .
أحداث الفيلم
Judges Trial
تم اخراج الفيلم في العام 1961 و المخرج هو ( استانلي كرامر ) و يصنف كفيلم قانوني تاريخي، و أطلق عليه أيضا اسم ( محاكمة القضاة ) .
اضافة الى موضوع الفيلم الحيوي فهو يضم نخبة من الممثلين العظام ، لذلك لم يكن صدفة حصوله على جائزتين من الأوسكار ( مكسميليان ) شل ممثل الدفاع في القضية كأفضل ممثل ، و جائزة أفضل سناريو.
الممثلين
سبنسر تريسي : في دور القاضي دان هايوود
برت لانكستر : في دور د. ارنست يانينج كبير القضاة في العهد النازي ، قانوني مميز و مؤلف لكثير من الكتب
ريتشارد ود مارك : في دور الكولنيل تاد لوسون ممثل الادعاء في القضية
مكسميليان شل : في دور المحامي هانز رولف الذى فاز بجائزة أوسكار أحسن ممثل في أدائه الدور
مارلين ديترش : في دور السيدة بيرثولت
جودي جارلان : في دور ايرين هوفمان و هي امرأة المانيا اتهمت بإقامة علاقة حميمة مع يهودي
تجرى أحداث الفيلم في العام 1948 عندما قدم أربعة من القضاة بتهم :
1- توقيع احكام بالموت بناء على قوانين عنصرية
2- تزوير الأحكام لإعدام معارضين
3- اصدار احكام بالتعقيم القسري لبعض الأشخاص
منذ البداية قدم الادعاء قضية متماسكة رغم محاولات محامى الدفاع هز الشهود و التشكيك في شهادتهم ، و قد كانت الضربة القاضية لقضية الدفاع اعتراف كبير القضاة أرنست بارتكابه الجرم و كانت الضربة الثانية عندما عرض الدفاع فيلم يتعرض لأحداث ( الهولكست ) في معسكرات الموت .
الدفاع كان يعتقد ان تلك المحاكمة غير عادلة و مقصود بها المانيا كما بنى دفاعه على عدم علم المتهمين بما يجرى في معسكرات الموت. و قد صدرت احكام بسجن المتهمين مدى الحياة.
أجراء المحاكمات في ( نورمبرج ) له رمزيته، خاصة ان اجراءات محاكمة المتهمين تمت في نفس المبنى الذى شهد نهوض النازية و انطلاقها، و المبنى كانت تعقد به احتفالات النازية و الاحداث المهمة تقام به. ذلك يعنى ارسال رسالة غير مشفرة مفادها ان الأنظمة الديكتاتورية المتعسفة مهما طال زمن حكمها فهي الى زوال .
أهمية المحاكمة
- أسست لكثير من المبادئ القانونية التي ضمنت في المعاهدات اللاحقة كما كانت المرشد للمحاكم الخاصة التي عقدت لاحقا لمجرمي جرائم الحرب ، الجرائم ضد الانسانية و الابادة الجماعية، كمحكمة يوغسلافيا و محكمة رواندا ...الخ
كانت المرشد لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية. -
أكدت على مبدأ عدم الافلات من العقاب .-
- كانت مرشدا لتضمين المحكمة الجنائية الدولية لجرائم الحرب ، الجرائم ضد الإنسانية و جرائم الإبادة الجماعية التي لا تسقط بالتقادم.
- أكدت على مبدأ المحاسبة عن الجرائم المرتكبة في حق الشعوب.
- أكدت على المسؤولية الجنائية الفردية عن الافعال
ماذا تعنى هذه المحاكمة بالنسبة للسودان :
في اعتقادي ان احداث هذا الفيلم تلعب دورا أساسيا في كيفية تفعيل دور ( المحاسبة ) في السودان ، كما هو معروف ان دور المحاسبة يلعب دورا أساسيا في تصحيح مسار الحكم الديمقراطي في السودان. الناظر لمشكلة تعثر ( مشيان ) السودان السياسي الى الامام، لعب فيه اغفال مبدأ المحاسبة دورا أساسيا كما كان سببا فى تكرار الأخطاء و التجارب المستنسخة. فمرتكبي الجرائم الذين يتجولون بأريحية في شوارع الخرطوم شجع الكثيرون على تكرار تلك الجرائم عشرات المرات، طالما مرتكب الجرم يعلم مسبقا انه لن يعاقب و سوف ينجو من المحاسبة و العقاب.
اهم ما تشير اليه و تؤكده احداث الفيلم هو ( التخصص ) و توسيع دائرة الاتهام في المحاكمات . ففي مسيرة تاريخ الأنظمة السياسية التي حكمت السودان، ليس العسكر الذين حكموا هم وحدهم مرتكبي الجرائم بالرغم تخضب اياديهم بالدماء، بل شاركهم في ذلك بعض القانونين الذين شرعوا، حاكموا و ساندوا قوانين العسف ، الأطباء الذين خانوا قسم " أبقراط " و زوروا لينجوا القتلة من المحاسبة ، كبار رجالات الدولة ، أساتذة الجامعات و النخب المتعلمة.
فكل من ساهم في تثبيت الأنظمة الدكتاتورية بتنفيذ قوانينها الجائرة التي قتلت الألوف هم بالضرورة مشاركون في ذلك الجرم، و كثير من هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم. أن ما أرتكب من بشاعات في الحرب الدائرة اليوم من الطرفين يجب ان لا يفلت من العقاب، الذين ارتكبوا جرائم القتل البشع ، الذبح و الاغتصاب.....كل هؤلاء اذا لم يحاسبوا فسوف نظل " نلف " في الدائرة الشريرة كثيران الساقية.
الفيلم يستحق المشاهدة، جدير بالذكر ان الفيلم قد اضيف الى مكتبة الكونجرس في أمريكا.
عدنان زاهر
يوليو 2025
تعليقات