ما بين وليم اندرية و محمد الجزار.... قاتل مشترك !
- Adnan Zahir
- 11 يونيو
- 3 دقيقة قراءة
فَنانين من جيل مختلف يَفرق بينهما نصف قرن من الزمان جمعت بينهما الموهبة، الاِبداع و التفرد، كما جمع بينهما الموت المأساوي و الفجائي غير المبرر.
ولد وليم اندريا في العام 1951 ، والده ( فائز نصار ) ترجع اصوله الى جنوب السودان، أما والدته مريم فهي من امدرمان و القضارف، و جده من أصول لبنانية، و هو من سكان الخرطوم غرب. تلك الخلطة العرقية الساحرة، في اعتقادي ساهمت في نضوج عبقريته المبكر ، تفرده و نبوغه في جبهات ابداعية متعددة.
لعب كرة السلة كما مارس الغناء و العزف، انضم لفريق السلة الوطني السوداني و عمره 17 عاما و قاد السودان للفوز ببطولة بكاس السلة للوطن العربي في الكويت عام 1975، كما تم اختياره ضمن فريق افريقيا لكرة السلة و لقب بالغزال الأسمر.
مغنى و عازف غيتار ماهر، ينتمى الى جيل الحداثة و هو من رواد موسيقى الجاز في السودان ومؤسس لفرقة ( وليم اندريا للجاز )، درس في المعهد العالي للموسيقى و لم يكمل دراسته لموته الفجائي و المأساوي. جيلنا في السبعينات، لا زال يتذكر و يحتفى بأغنيته ( كفاية مزاح ).... يردد معه:
كفاية مزاح و خلى الليل يكون صباح
بدور أرتاح و أضمد في فؤادي جراح
و أفرح بيك زي يوم داك
أعوض بيك شباب الراح........
عندما فاجأنا خبر موته بواسطة رصاصة جندي من الجيش إبان دخول قوات الأنصار بقيادة محمد نور سعد الى الخرطوم او ما سمى بغزو " المرتزقة " ، كثيرون منا اعتقدوا ان الخبر فقط " مزاح " !....قتل ذلك الفنان المبدع وعمره لم يتجاوز 25 عاما !!
محمد فيصل الجزار
من مواليد 1986 حي الصحافة بالخرطوم، درس التوزيع الموسيقى و هندسة الصوت بالقاهرة، له اغنياته الخاصة المميزة و مؤسس لفرقة ( سودانيز باند ) كما غنى لبعض الفنانين المبدعين القدامى، قام بتوزيع أغنية الكاشف ( اسمر جميل ) كما أدى أغنية ( من الاسكلا و حلا ) و ( بكا الخنساء ) بشكل متفرد.
أعاد توزيع بعض المدائح النبوية بشكل مبتكر خاصة أغنيته ( مكاشفى القو م )، التي تم أداءها بشكل يأسر الوجدان، يجمع بين تهويم الصوفية و الموسيقى الراقصة الحديثة.
يغنى و يمدح راقصا :
يألألأ مكاشفى القوم يطوف
بأم قلة نظر بالعين،
لا نام اصحابو اليهم فلا
كُلل الدين في بدر جُلا
كُلل الدين في بدر جُلا
عاينين باينين .....عانو
فلوفلا.....عانو فلوفلا،
صوته ملئ بالحنية، هادئ و قوى ، كان الجزار فنان متعدد المواهب و مشروع لفنان كبير تمت ازاحته قسرا من المشهد، رحل عن عالمنا بمدينة القضارف في 14 مايو 2025 و عمره لم يتجاوز الأربعين عاما لعدم حصوله على العناية الطبية اللازمة، نتيجة لظروف الحرب الدائرة بين الجنجويد و الجيش !!
انها الحرب اللعينة و العنف المنفلت.... الصراع على السلطة و الثروة بعد الاستقلال مع الكراهية المستبطنة المنتشرة داخل المجتمع، " وليم اندريا " قتله جندي من الجيش في منزله بناءا على " الشكل " و اللون، معتقدا ان " اندريا " من المرتزقة !!...... خطاب الجيش و حكومة نميري في ذلك الوقت بُنى على تضليل المواطنين، ذاكرا لهم ان غزو العاصمة تم بواسطة ( مرتزقة سود ) !! و ليس من الأنصار السودانيين !! ....خطاب أجهزة اعلام نميري كان يشابه خطاب ( الوجوه الغريبة ) المستخدم اليوم لذبح و تصفية المعارضين أو الاستيلاء على ممتلكاتهم !!
نفس الحرب التي دمرت المرافق الصحية، وأجبرت المواطنين على النزوح من أماكن سكنهم و شردتهم مع انعدام الرعاية الصحية اللازمة ،هي السبب في موت محمد الجزار!
السؤال الذى يظل عالقا في أذهان الكثيرين، الى متى هذا النزيف المستمر و الفقدان لمبدعين في جميع المجالات نتيجة لتعسف السلطة الحاكمة في السودان !!!! .....احلام طالبي السلطة و الجاه لدى بعض ( المهووسين )، عملت على أن نفقد موهبين كان لهم سهمهم في نهضة الفن و اثراء الوجدان في هذا الوطن المنكوب دوما !!!
10 يونيو 2025
تعليقات