" فيفا – مشيس " على الأطلسي
- Adnan Zahir
- 5 أغسطس
- 5 دقيقة قراءة
Viva Miches
2
المصيف الفضي ، بشكله الممتد بطول الأفق مع المحيط الأطلسي ، جعله يبدو كمفرش مائدة، نصفه ابيض و النصف الآخر أزرق ، مكان " البيتش " يقع شرق المبنى الرئيسي كما ان الناظر بتدقيق يجد ان المكان قد خطط له بعناية، ليكون ليس فقط مقر للراحة و متعة للوافدين له، بل و العودة اليه مرة أخرى.
هنالك أربع مباني للسواح أحدهم المبنى الرئيسي الذى كنت اسكن به و ثلاث مباني فرعيه، كل مبنى يتكون من أربع طوابق .الغرف بداخله جميلة وواسعة مع بلكونة منفصلة اما انها تفتح على المحيط في الشرق او تفتح الى الغرب كاشفة لغابات جوز الهند، النخيل الملكي، المهوقنى أو لأشجار الفاكهة الموجودة في المزارع الخضراء و العامرة بقصب السكر، المانجو، الباباي ، الجوافة ، الكاكاو ...الخ. المناخ الاستوائي للدومنيكان الممطر طوال الوقت ساعد على تنوع طبيعتها، كما يوجد في وسط هذه المباني حوضين للسباحة أحدهما مخصص لعضوية المنتجع فقط !
العاملين في المنتجع جميعهم دومنيكيين و يحسنون التعامل مع السواح، و قد دربوا تماما لأداء هذه المهمة. الشيء الملاحظ هو اختلاف و تدرج الوان شعب الدومنيكان بين الأسود الفاتح و الأسود الغامق و يرجع ذلك الى مدى اختلاطهم الجيني مع الاسبان، و انسان الجزيرة الأصلي و هو " التاينو " او الأفارقة الذين جلبوا من جانب المستعمر كعبيد.
السكان 73 % اعراق متعددة تشمل الاسبان، الصينيون ،الهايتيين ، امريكان ،كوبين ، فنزويليون، عرب .........الخ ، 16 % بيض و14 % سود البشرة، كما يلاحظ المدقق أيضا عنصرية مستترة غير معترف بها بالرغم من وجودها و احساسك بها ، تماما كما هو حادث في السودان. الفرق بين شعب الدومنيكان و السودان أن شعب الدومنيكان أصبح منصهرا في بوتقة واحدة اما شعب السودان فلا زال متمترسا خلف القبيلة !
عندما وصل المغامر المكتشف ( كولمبس ) الإيطالي مبعوثا من ملك اسبانيا كان في الأساس يقصد الإبحار غربا للوصول الى الهند بدلا عن الإبحار شرقا حول الفريقيا لأنه كان يؤمن بنظرية كروية الأرض .وصوله لجزر الكاريبي كان بمحض الصدفة. نزل بجزيرة الدومنيكان عام 1492 ووجد بها شعب ( التاينو )، فاستعمرها لملك اسبانيا و أطلق عليها اسم ( هيسبانيولا ). عمل ( كولمبس ) اثناء فترة حكمه عمل على القضاء على شعب التاينو، أرسل منهم الالاف كعبيد لإسبانيا ثم مارس القتل المنظم للباقين ، اما عن طريق العمل القسري أو عن طريق الأمراض التي جلبها المستعمر معه و التي لم يعرفها أو يألفها السكان الأصليين فأدت الى موتهم حتى انقرضوا تماما.
سوف أقوم بحكي قصتين لتوضيح شكل و معنى التفرقة المستترة التي ذكرتها و أقصدها ، من خلال مجيء اليومي لقاعة الطعام فقد نمت صداقة بيني و بين المشرف العام على القاعة و التي يعمل بها قرابة العشرين شخصا يقومون بتقديم الخدمات المختلفة المرتبطة بتقديم الطعام . تلك العلاقة جعلته مهتما بأسرتي من جميع النواحي خاصة الحجز لمائدة مميزة لنا، في احد الممرات عَرف احد أصدقائه بنا و كان يطلق علينا على الدوام لقب ( اٌسرتى ) ، فقال صديقه لي مازحاً و معقباً ( انه يعاملك بخصوصية و اخلاص لأن لونه اسود مثلكم ) !!
المرة الثانية و كنت اجلس قرب السائق المهذب الذى كان يقوم بتعريفي على المشاهد المتنوعة التي نمر بها و نحن في طريقنا الى جزير ( ساونا )، و في اثناء حديثه معي قال بحميمية انى أشبه والده ، ثم أخرج تلفونه عارضا صورة والده علىً و على أسرتي المرافقة ..... قد كان والده أسود البشرة !!
المشرف العام للمطعم و سائق العربة الذين يبلغ عمر كل منهما الخمسين عاما، تعاملا معي بخصوصية و كان شعورهم تجاهي حقيقيا، و لم يكن يريدون مقابل إزاء ذلك الشعور أي مقابل مادى . تفسيري لذلك السلوك انهم يشعرون بفخر أن يكون ضمن السياح أسرة تنتمى اليهم من خلال اللون ، بالطبع احترمت شعورهم لكن من جانب آخر شعرت بالحزن و الغضب !
ذلك التمييز اللوني و الاثنى الموجود في المجتمع جعل عدد كبير من شعب الدومنيكان يعرفون انفسهم بانهم " لاتينو " أي من أمريكا اللاتينية، مع انكار تام للعرق الإفريقي المختلط بدمائهم، بعكس ( الجمايكيين ) الذى يفخرون بأنهم من أصل أفريقي !!
كما أن هنالك مشكلة أخرى مستفحلة مع جيرانهم شعب ( هايتي ) سود البشرة فقد استعمروا الدومنيكان لفترة من الزمن ، كما توجد اليوم هجرة كبيرة من الهايتيتين الى الدومنيكان ارتبط ذلك بالوضع الاقتصادي لهايتي، مما حدى بالديكتاتور ( تروخيو ) لسحب جنسيات 13000 هايتي مولودين في الدومنيكان، و ارتكب مجزرة في حق التاهيتين تسمى بمجزرة ( البقدونس ).
هنا لا بد عن التحدث قليلا عن ديكتاتور الدومنيكان الذى حكمها حوالى ثلاثين عاما و دوره في تعميق العنصرية ثم التحدث عن مجزرة " البقدونس " . الديكتاتور تروخيو أتى للحكم عن طريق انقلاب عسكري و استمر في الحكم عن طريق انتخابات صورية و مزوره مع تعديل في القوانين لاستمراره في الحكم ، مع العنف المفرط و المنفلت تجاه المعرضين لنظامه و اغتيال الآلاف ، حتى قُتل بتدبير من المخابرات الأمريكية التي أتت به في البداية، وعندما شعرت انه يبتعد عنها و خوفا من أن يصبح معارضا عنيفا ضدها !!
كان توجه نظام الديكتاتور ( تروخيو ) القضاء على السود تماما، و أن يسود البيض الدومنيكان حتى تكون مثل اسبانيا. لكى يفعل ذلك دبر ( مجزرة البقدونس ) باعتبار أن السود الهايتيين و المولودين في الدومنيكان صار عددهم كبيرا و أصبحوا يمثلون جزءا من نسيج المجتمع الدومنيكي. تلك المجزرة قتل فيها قرابة الثلاثة عشر الف من النساء و الأطفال و الرجال و تم ذلك بالمناجل، السكاكين ، و العصى كما حدث تماما و لاحقا في ( رواندا ) .
رغم التعتيم على الحدث الا انه خرج الى العلن بواسطة نشطاء حقوق الانسان، مما أضطر الديكتاتور للاعتراف به و دفع ما يقارب نصف مليون للحكومة الهايتية تعويضا !!.....للمقارنة فقط قامت حكومة ( الكيزان ) في السودان بقتل ثلاثمائة الف من الدار فوريين بدوافع عنصرية..... انكر عمر البشير- المطلوب من المحكمة الدولية - و الهارب ( محتميا بقبيلته ) العدد، و قال من قتل هم مائة الف فقط !!!
الأدب و الشعر في الدومنيكان يعكس ذلك التعدد الإثني و العرقي الذى يسود المجتمع ، كما عمل على مقاومة العنصرية الذى جسدها نظام الديكتاتور ( ترويخو- 1930 –1961 ) في المجتمع تجاه السود عموما و الهايتيين خصوصا . الشاعر الدومنيكي ( بيدرو مير ) كتب يصور معاناة الشعب تحت سلطة هذا الجنرال المستبد، كما تناول الشاعر ( مانويل ديل كابرال ) قضايا العرقية في قصيدته ( نجرو - الزنجى ). ذلك التوجه للأدب المقاوم للعرقية و الديكتاتورية لم يتميز أدب الدومنيكان فقط بل أيضا جيرانهم، فالشاعرة الأرجنتينية ( اليخاندرا بيزاريس ) كتبت عن ما يعانيه الشعب الدومنيكان من اضطهاد.
الحياة في المنتجع تبدأ منذ السادسة صباحا و هي ساعة بدء طعام الإفطار في المطاعم و البوفيهات المختلفة داخل المنتجع و الذى يستمر حتى الثانية عشر ظهرا، لتبدا فترة الغدا،،على العموم معظم المطاعم تقدم طعامها و شربها المجاني طوال اليوم.
الامطار تهطل باستمرار لفترات متقطعة و الجو حار رطب، لذلك السائح في حالة تنقل دائم بين السباحة في المحيط او الاسترخاء في احواض السباحة او تحت ظلال المهوقنى و شجر جوز الهند التي الذى يرمى ( ظلاله بعيدا ) كشجر ( الدليب )، كما يقول المثل الشعبي السوداني.
حاولت أن أقوم صباحا لأمشى الأربع كيلو التي أمشيها يوميا، و قد قمت برسم الحدود التي علئ قطعها و الهدف إضافة الى ممارسة الرياضة، كان تصوير الطيور، الاشجار و الزهور البرية....باختصار التعرف على الطبيعة الجميلة التي تغطى المكان.
أواصل
عدنان زاهر
1 أغسطس 2025
توضيح
مذبحة البقدونس : سميت بذلك لأن القتلة الذين عملوا على اغتيال الهايتيين، كان يطلب من الضحية أن ينطق كلمة " بقدونس " و كان نطق الهايتيين المتحدثين باللغة الفرنسية يختلف عن نطق الدومينكيين المتحدثين بالإسبانية فيتعرفون عليهم و يقومون بقتلهم !!
كولمبس : كولمبس كان يهدف للوصول الى الهند بالإبحار غربا و ليس شرقا حول افريقيا لأنه كان يؤمن بكروية الأرض ، وصوله الى جزر الكاريبي كان بمحض الصدفة .
تعليقات