عبد الواحد و مملكة النساء
- Adnan Zahir
- 3 أكتوبر 2022
- 3 دقيقة قراءة
لم يجد عبدالواحد سببا معقولا يبرر به مغامراته و مواصلة نزواته سوى مصطفى سعيد بطل رواية الطيب صالح موسم الهجرة الى الشمال.ورغم الفوارق التى يعلمها و التى تميز بينه و بين ذلك البطل الا أنه يؤمن بوجود خيط واهن يربطهما معا،و قد استغل ذلك الرباط أفضل استغلال فى اقناع نفسه و اغواء الاخريات.
أحيانا حينما يتلبسه ذلك السأم و يتحول بكلياته الى المجتمعات الباطنية لتلك المدينة يستنجد و يتكئ على المثل الشعبى السودانى المتداول ( الفحل ما عواف ) و على هاتين الفلسفتين أسس مملكته النسائية.
أميرة
أميرة أقل هيبة من " الضواية " ولكنها معطاء كخلية نحل،حينما التقى بها أحس بانها الجزء المفقود منه.طويلة فى غير افراط،عينان واسعتان كمحيط،خصر نحيل و مؤخرة منتشية و ذلك ما أجج النيران فى جسده و هى فى كليتها تمثل مشروع طريدة عزيزة المنال،بدأت غريزة الصياد فى توجيه سلوكه، قفل عليها كل المنافذ و قال
- سلامات
- اهلا
- حر الخرطوم يقطع القلب و كباية عصير باردة جنب النيل بترطب شوية
- ما بطال
ذلك كل ما قاله لأميرة و باقى لقاءاتهما كانت فعلا أكثر منه قولا.تعانقا صباحا،تعانقا كل الوقت،فى الغرف المظلمة و المكاتب الخاصة شحيحة العمل.أميره سيدة نفسها و قرارها،قالت له انها أكتسبت ذلك الاستقلال بعد وفاة والديها حرقا فى بص فى رحلة بين الخرطوم و مدنى.هو يعلم انها كاذبة فهى تقول و تفعل كل ما يتوافق وتبرير غايتها فى الحياة.رأى فى عينيها جزءا من حقيقة نفسه فلم يستطع منه فكاكا حتى تلك المقابلة القدرية مع الضواية.
الضواية بت الكجور- اليوم الأول
حمل ملفاته و اوراقه صباحا فى عجلة متوجها الى ذلك الاجتماع الممل، حاصرا تفكيره فى ما سيفعله فى تلك المقابلة.فجأة وقعت عيناه فى عينيها،لم يرى شيئا بعدها سوى انه يطير فى الفضاء و يطير ثم يسقط أرضا و اوراقه مبعثرة من حوله فى ذلك الشارع المزدحم بشرا وسط الخرطوم.ضحكت هى و ضحك معها الشارع و تلألأ.جمع أوراقه على عجل و أصلح من حاله و تبعها، و قفزت الى ذهنه فى تلك اللحيظات سطور من حكاية يحفظها عن ظهر قلب للأصفهانى ( رأيت جارية حسنة المشي،جميلة الوجه فتبعتها،فراوغتنى و لم تكلمنى فلم انقطع عنها،فأسرعت فى المشى لتبعد عنى فلم انقطع عنها )!
عبد الواحد
حينما قال له الصبى فى ملعب الكورة باحتقار و سخرية من أنت؟!
هرول مبتعدا و باكيا الى جدته رادا اليها السؤال.قالت الحبوبة بعد اطراقة و صمت ( انت ود البحر.لقيناك ملفوف بقطعة من قماش جنب شاطئ النيل مكتمل النمو،هادئا و مطمئنا و سميناك عبدالواحد ).
تعدى المراحل التعليمية قفزا و حينما تبوأ ذلك المنصب كان متيقنا أن ذلك المنصب صمم له منذ الأزل.جدته قالت له ذات يوم ( انت ولد قلبك حجر )!
تمثل له وجه جدته متجسما حينما قالت له " ربيكا " غاضبة و حانقة ( انت زول غير ناضج العواطف )!......فكر مندهشا هل استعارت ربيكا قول جدته؟!
الضواي بت الكجور – ذات يوم
قال للضواية بت الكجور بعد أن تعب من المطاردة أنه مستعد أن يفعل كل ما تريد.نظرت اليه بانتصار و قالت انها تريد " أضان أسد " أو وفقا لكلماتها ( انت لو دايرنى، حبوبتى قالت لى انو مهرى فى الجبال أضان أسد،أهلنا هناك قاعدين يعملوا كده )،
نظر عبدالواحد اليها مندهشا و عندما تأكد من جدية الطلب، وافق.فى اليوم الثانى ذهب الى أقرب " سلخانة " لمحل سكنه و اشترى رأس خروف و أحضر لها الأذنان و تزوجته الضواية على الفور.لم يمكث معها سوى اسبوعا واحدا و انفصل عنها فهو لم يتعود أن يفعل الاشياء مرغما.
عبدالواحد
طابور من النساء ينحدرن ببطء من ذاكرته،الواحدة تلو الأخرى ينظرن اليه فى رثاء ثم يغادرن بؤبؤ العين ليعاودن الظهور مرة أخرى بشكل دائرى وفى حركة رتيبة،
هويدا بت التخوم
ملكة السمحة
نوال
منى،غالا الروسية،درية
مها النيجيرية
جميلة ست العرقى
ربيكا الطبيبة
علية الضابطة
الزهاوية بائعة الشاى
غادة الدلالية
أم كلثوم
قالت انها كنيت باسم جدتها تيمنا بها، و لم يكن يعلم حتى ذلك الوقت أن الجدات بهذه الروعة.أراد أن يخبرها بأنهم لن يلتقيا مرة أخرى و لم يكن من عاداته فعل ذلك الأمر مع النساء الاخريات فهو يتركهن فحسب،لكن أم كلثوم شيئا آخر.بكت كل المسافة من أمدرمان للكلاكلة حتى بللت دموعا أرضية العربة،يحدوها أمل أن يعيد قراره.ظل صامتا متحصنا وراء تل من التجارب و رصيد هائل من الأنانية و حينما أنزلها من العربة تحرك مسرعا حتى لا يرى عينيها.
حواء
هى ذات جمال فاتر يشى عن نفسه بتمنع.يظهر عند لفتتها المهملة،يختبئ فى مشيتها المتأرجحة و يعربد عند تذوقها قطعة من الآيس كريم.فشل فى كشف قدراتها و لكن عندما حضرت الى مقر عمله و أصرت على مقابلته عرف مكانتها.
قالت له اما أن تذهب معى أو سوف أقوم بفضحك على الملأ فذهب معها على الفور،تأكد ذلك اليوم انها امرأة مختلفة.ذهب الى منزلها بعد أسبوع و لم يجدها،دار فى كل المدينة،القرى المجاورة و لم يجد لها أثرا.قيل له فقط انها ذهبت.
عبدالواحد- مرة أخرى
عبدالواحد يدور كحلزون فى ماكينة ضخمة يكاد يطير،النوبة تعيد الأيقاع فى تكرار عنيد.الذاكرون حوله يهمهمون بكلمات لا يفهما الا مريدو الشيخ العارف بالله حمد النيل.كل ما دار دورة، تتساقط الأشياء من ذاكرته مندلقة خارج حلقة الذكر و متلاشية.فى البداية مكان التقائه النساء على شاطئ النيل الذى تحول لفندق سياحى،قبر جدته الذى اندثر اهمالا و نسيا،وجه ذلك الفتى الذى اساء اليه فى ملعب كرة القدم،طابور نساء الخرطوم اللاتى عشقهن باهمال، و أخيرا حواء ذات الجمال الفاتر و هى تنظر اليه مبتسمة فى سخرية !
تعليقات