ذكريات " دقاقة " !
- Adnan Zahir
- 27 يوليو 2024
- 2 دقائق قراءة
( جوبا مالكي عليا )
كان ذلك في العام 1987 عند زواجي، صديقي الراحل د فوزى محمد عبدالمجيد ( سمير ) كما درجنا على مناداته لم يكن ذلك الوقت حاضرا بالخرطوم، فقد كان موسم التدريس في جامعة جوبا لا زال مستمرا، و هو عميد كلية القانون بالجامعة، ووجوده هنالك كان ضروريا. أنا و سمير قد تزاملنا في كلية القانون – جامعة الصداقة في سبعينات القرن الماضي بالاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت، و هي صداقة استمرت حميمه حتى رحيله. قال لي ( لا استطيع حضور مراسم العرس لذلك لذى أعرض عليك أنا و زوجتي د عزيره الحضور و تقضيه شهر العسل في جوبا ).
كان العرض مغريا متزامنا مع عرض صديقي عبدالرؤوف العامل بالطيران المدني في توفير تذكرة ذهابا و ايابا مع زوجتي الراحلة انصاف، على ( نايل سفاري ) المتوجة الى جوبا ، و كما ذكر زعيم المافيا " الأب الرحى "......( ذلك عرض لا يمكن رفضه ) !
حزمنا أمتعتنا و امتطينا طائرة " نايل سفاري " متوجهين الى جوبا و الاغنية الشعبية ( جوبا مالكي عليا ) ترن و تعيد التكرار في أذهاننا و ارواحنا " العسلية " !.....طائرة " نايل سفاري " هي طائرة شحن ضخمة و المقعدين الموجدين بها، كانا على مقربة من الطيار، و التي جلسنا عليها مع زوجتي مبتهجين كأننا نجلس على قمرة سياحية في طائرة بوينج 787 !
الطائرة كانت تحمل أكياس ضخمة مليئة بالحبوب و بضائع أخرى الى جنوب السودان، و يجلس عليها كثير من جنود الجيش السوداني العائدين الى وحداتهم في ذلك الجزء من الوطن، فقد كانت الحرب لا زالت مستعرة و بقوة في ذلك الوقت في ضواحي جوبا، بين الجيش و قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان و الذى كان محيطا بالمدينة.
جوبا مدينة تبهج الزائر بخضرتها التي تشابه خضرة أعماق المحيطات، خضره مترعة تدقدق المشاعر و توقظ الذكريات البعيدة، و قد وقعت القصة التي أرويها هنالك في حي الجامعة، الذى نقيم فيه في منازل الأستاذة بالجامعة .
كنت قد درجت أن أصحوا مبكرا و أجلس أمام المنزل مستمتعا بجمال الطبيعة و صفاء الجو. مر بقربى ذلك اليوم أحد المواطنين الجنوبين يحمل تمثالا في يده بشكل يوحى للمشاهد بأنه معروض للبيع. كان التمثال مصنوع من الابنوس لمحارب جنوبي ممشوق القوام يحمل حربه في يده، كان التمثال قطعة فنية مدهشة. وقفت اجلالا للفنان و التمثال ، سألته هل التمثال للبيع. أجاب بهز راسه بنعم . سألته عن السعر....فأجابني بعربي جوبا أن أحدد السعر. عرضت عليه سعرا كان في رأى معقولا، نظر الى بدهشة ثم عرض سعره الذى كان مضاعفا ثلاث مرات لسعرى، بالطبع رفضت فمضى في حال سبيله.
في مغارب نفس ذلك اليوم و انا أقف امام المنزل ادخن في سيجارة ،أتى نفس الشخص مارا امام المنزل و هو يحمل تمثاله و تبدو عليه علامات الإرهاق و الجوع، استوقفته ثم سالته ان كان يقبل بعرضي الأول .....هز رأسه في استنكار و غضب ثم استدار و ذهب.
كنت أعرف قبيلة الدينكا و اعتزازهم بالنفس، و لكن مساء ذلك اليوم عرفت عنهم شيئا آخر، هو اعتزازهم بفنهم.......الفنان منهم عندما يعرض فنه للبيع ، فهو لا يعرض التمثال الذى يحمله بل يعرض ، الجهد ،الاحاسيس و المشاعر و الساعات الطوال التي جلس فيها ينحت في الأبنوس لتشكيل ذلك الفن .... .....كم أحس بالندم لعدم شراء ذلك التمثال الذى كاد يتنفس و يمشى على قدميه.
عدنان زاهر
يوليو 2024
Comments