امرأة " قوس- قزحية " !
- Adnan Zahir
- 2 مايو
- 3 دقائق قراءة
امتطى مترو الانفاق و أنا في طريقي للعمل، انسرب منه خارجا في محطة " ينج " ب ( الدوان- تاون ) لأمضى بقية الطريق راجلا. في احدى المرات و أنا أسير في محطتي المألوفة سمعت صوت موسيقى شجية تنبعث من احدى الجهات. قاد الصوت قدماي و بفضول حتى أوقفتني امام شاب يعزف على غيتار و يغنى بصوت شفيف، ثم يستبدل الجيتار ب " كي بورد " ليواصل نفس الموسيقى الحنينة التي تجعل اجنحة القلب ترف.
أصبحت عادة كفنجان قهوة الصباح، أخرج مبكرا لأسمع الموسيقى في محطة " ينج " ثم أمضى منتشياً، كانت أوجه العازفين تتغير لكن مع ثبات أزلي لجمال الموسيقى، روعتها و احترافية الصنعة.
وأتتني فكرة أن أكتب عن هؤلاء الموسيقيين مع التوثيق بأخذ صور لهم ونماذج من المزيكا التي يعزفونها. مغامرة الكتابة كانت تستهدف تاريخ ووقائع حياة الموسيقي أو العازف، المدارس التي نهل منها صنعة المزيكا، و كيف انتهى به الأمر للعزف في مترو الانفاق!
الدرس لأول الذى تعلمته في بحثى، أن العزف في مترو الأنفاق ليس عيبا أو انتقاصا للعازف، كما أن ( مزيكا مترو الانفاق ) – هذا الاسم من اختراعي – هي اضافة نوعية للمدينة الجميلة وترقية للذوق العام بها. موسيقى مترو الانفاق أو الموسيقيين الذين يعزفون في محطات المترو ، هم مجموعة يبلغ تعددها ال75 عازفا و مغنى، تقوم ادارة المواصلات بمدينة تورنتو باختيارهم عبر تصفيات تجرى كل عامين ليقوموا بالعزف في المحطات الرئيسية.
الهدف هو مساعدة الموهوبين ماديا وذلك بعرض و بيع انتاجهم الموسيقى للجمهور، بالإضافة الى النقود التي تمنح لهم من المستمعين العابرين في الطريق، كما أن هنالك هدف آخر معنوي، يتمثل في افساح و اعطاء الفرصة لإظهار مواهبهم ، لفتح ابواب اخرى لهم في المستقبل. بالطبع قد تجد منهم بعض متوسطي و كبار السن التي لعبت الظروف الصعبة دورا فى وجودهم في هذا المكان.
في ذلك اليوم لاحظت أن محطة المترو لم تكن غاصة بالمواطنين كعادتها، بعض الافراد يتسكعون هنا و هنالك. لامست مسامعي صوت موسيقى مثل تدفق مياه الينابيع، شقشقة عصافير في المغيرب قبل اختفاء الضياء. وقفت مذهولا امامها، أمراه خمسينية العمر، على وجهها نظارة طبية و تردى ملابس انيقة رغم طول استعمالها. كانت في عزفها متحدة مع الكمنجة بطريقة يصعب التفريق بينهما. اخرجت تلفوني، بدأت بالتصوير و عندما صفع ضياء الفلاش وجهها التفتت الي مندهشة كأنها خارجة من غيبوبة. وضعت الكمنجة في مقعد قربها ثم اتجهت نحوى وخاطبتني بشكل مهذب ان أقوم بإزالة صورتها، مضيفة بأن هيئتها لم تعد صالحة للتصوير. لتؤكد ذلك أخرجت النظارة الطبية من وجهها و مشيرة للتجاعيد اسفل عينيها. قلت لنفسي (بالطبع ليس من حقي تصويرها دون اذنها.......ثم لأبرر موقفي الخاطئ..... قلت لكن عندما كنت اقوم بتصوير الموسيقيين الآخرين من قبل، لم يعترض أحد )!!....
واصلت مونولوجى الداخلي ومن ثم بإحساس بالخجل....... ( هي ليست مطالبه بالاعتذار لي )!!
تأملت وجهها عن قرب، كانت المعرفة، الاحترام ، الأنفة و الجمال الآفل يشع من هيئتها. تأسفت لها عن تصرفي ثم قمت بإزاله الصورة.
تملكتني رغبة مجنونه للحديث معها. ذهبت اليها في مكانها و هي تواصل العزف، عارضاً التلفون لتأكيد ازالة الصورة. لم تنظر الى التلفون و خاطبتني مبتسمه ( انا متأكدة انك قد قمت بالمسح )!!
قلت لها منتهزا فرصة الرد الإيجابي ( يقولون في موطني البعيد، ان عزف الموسيقى و سماعها يطيل العمر ) ؟!
ارتسمت على فمها ابتسامة محايدة و من ثم أجابت و هي تواصل عزفها ( من يريد اطالة العمر ) !!
اجابة غير مشجعه و لكن يمكن استخدامها كمرحلة لمواصلة الحديث. قلت لنفسي لأجرب مدخلا آخر استخدم فيها معرفتي الموسيقية التي استخدمها أحيانا للتواصل مع عامة الناس. سالتها منتفخا ( هل ما تعزفينه هي السمفونية التاسعة ل "بيتهوفن " )؟
اجابت دون أن تحسسني بجهلي ( هذه مقطوعة صغيرة ل " موزارت " )!.......وضعت الكمنجة جانبا، لتأخذ جرعة ماء من الزجاجة التي بقربها. قلت لنفسي ليس هذا اليوم يومي،
،
أتأنى احساس و أنا اوصل طريقي الى العمل ان السبب الذى ذكرته عن عدم قبولها التصوير ليس حقيقيا، لكنى قلت لنفسي و ما دخلي أنا في هذا!.......نفضت الموضوع من ذهني و انشغلت بأمور الدنيا.
لكنني صرت و في احيان كثيرة، حينما استمع الى الموسيقى " السمحة " التي تطعن و تطحن الوجدان، و تمتلكني أعلى حالات النشوة، يومض وجهها بغته في ذهني، اندهش للحظات ثم أظل أتسأل من هي تلك المرأة التي تشابه في عزفها، تدرج موسيقاها، وهيئتها قوس قزح
コメント