حرب السودان و جرائم الاغتصاب !
- Adnan Zahir
- 15 أكتوبر 2024
- 6 دقيقة قراءة
تاريخ التحديث: 15 أكتوبر 2024
1
تسببت سلطة الجبهة القومية ( الأخوان المسلمين بسطوهم على السلطة و حكمهم لمدة ثلاثين عاما ) ، في كل المآسي السياسية ، الاجتماعية و الاقتصادية التي يعانى منها السودان و شعبه اليوم.
لكن أسوأ ما قامت به تلك السلطة خلال حكمها هي ممارساتها لأفعال لا تتعارض فقط مع الدين الذى تدعى الحكم به، و لكنها تتعارض أيضا مع القيم و التقاليد السودانية، القانون الدولي و العرف الإنساني. أحد تلك الأفعال المشينة التي مارستها و جلبتها للواقع السوداني، هي استخدام الاغتصاب كسلاح في حروبها التي أشعلتها بكل أرجاء الوطن.
ما دفعني اليوم للكتابة عن جريمة الاغتصاب هي إعادة تلك الممارسة القبيحة، المستهجنة و البشعة في الحرب الدائرة اليوم بين الجيش السوداني المختطف بواسطة الكيزان من جانب و الجنجويد من الجانب الآخر، التي فاق تعدادها المئات
لا بد لنا أن نذكر ابتداءا ان جرائم الاغتصاب تعتبر من أسوأ و أبشع أنواع الجرائم المرتكبة ضد الإنسان، و ذلك لتجرد مرتكبيها من الحس الإنساني و اعتداءها على الكرامة الإنسانية. و هي في العادة تستهدف الفئات المستضعفة كالنساء و الأطفال وتهدف الى الحط من قدر المرأة و مكانتها في المجتمع.
كما ترتكب أيضا في سبيل القضاء على الجنس أو النوع و الذى يعتبر في القانون الدولي جريمة ضد الإنسانية لتلك الأسباب مجتمعة فقد وضع لها المشرعون للقانون و في جميع دول العالم أقصى العقوبات بما في ذلك عقوبة الاعدام .
2
مورست جرائم الاغتصاب كسلاح في السودان لإذلال المعارضين و ضد المدنيين في حالات نذكر منها ثلاث فقط على سبيل المثال
1- حروب دارفور منذ العام 2003
2- جريمة فض الاعتصام
3- الحرب الدائرة اليوم التي بدأت 15 أبريل 2023
أولا
- مورست جرائم الاغتصاب في الحرب في دارفور منذ العام 2003 بواسطة مليشيا الجنجويد التي كانت تتبع في ذلك الوقت للجيش السوداني ، و قد وثقت كثير من الحالات مما استدعى دخول المحكمة الجنائية الدولية و إحالة عدد من المتهمين الى المحكمة الجنائية الدولية بارتكابهم جرائم حرب ضد المدنيين.
تلك الجرائم قد وثقت بواسطة من عدد من المنظمات المختصة بحقوق الأنسان، كما أوردت أيضا الطبيبة حليمة بشير في كتابها ( دموع الصحراء ) واقعة اغتصابها بعد أن أدلت بشاهدتها لممثلين من الأمم المتحدة عن واقعة اغتصاب أربعين طالبة في المدرسة المتوسطة في القرية التي تعمل بها كطبيبة ( تجد التفاصيل في مقالى الذى نشر في سود نايل بتاريخ 9 فبراير 2009 ) .راجع مقالنا أيضا بعنوان ( فيلم بى بى سى......اجابات و أسئلة ) نشر في الجرائد الاكترونية في عدة مواقع.
الحادثة المشهورة الأخرى هي اغتصابات قرية ( تابت ) في دارفور التي قام بها افراد من الجيش تحت ادعاء اختفاء احد الجنود، و قامت القوة باغتصاب مئتي امرأة ( تجد تفاصيل المقال في صحيفة سود نايل بتاريخ 10-11-2014 .
ثانيا
- مورس الاغتصاب ببشاعة في 3 يونيو 2019 ليلة فض الاعتصام وقت ارتكاب المجزرة و قد جاء ذلك في التقرير المقدم حاليا من مكتب حقوق الانسان- رابطة المحامين و القانونيين السودانيين في بريطانيا في تقريرها المخصص لمذبحة الاعتصام، و ذكرت في ذلك التقرير أن صحيفة الجارديان البريطانية اوردت من مصادر موثقة أن هنالك 70 حالة اغتصاب قد ارتكبت ليلة فض الاعتصام.
من جانب آخر فقد وثقت نقابة الأطباء الشرعية لإحدى عشر حالة اغتصاب من ميدان الاعتصام.
ثالثا
- في الحرب التي تدور رحاها اليوم فقد وثقت كثير من جرائم الاغتصاب التي تقوم بها قوات الجنجويد في المناطق التي تقوم باحتلالها، و قد ارتكبت تلك الجرائم في الخرطوم ، الجزيرة " مدنى " ، الجنينة و مدن أخرى في دارفور. شمل ذلك الاغتصاب الجماعي بشكل متكرر و أحيانا لأيام، وزواج الإكراه التي تصبح الزوجة مشاعة بين جنود الجنجويد. جدير بالذكر ان الجرائم الموثقة التي نقوم بايرادها هنا، هي جزء يسير من الجرائم الكثيرة المرتكبة، لأن عدد من تلك الجرائم يصعب حصره ، ذلك يعزى لصعوبة الوصول للمناطق المرتكب فيها تلك الجرائم في ظروف الحرب، أو لخوف الضحية من الانتقام أو فزع الضحية من الوصم الاجتماعي الذى سوف يلاحقها.
تقول التقارير التي أدلى بها ناشطون في حملة ( معا ضد الاغتصاب و العنف الجنسى ) لراديو دبنقا أن هنالك 189 جريمة اغتصاب قد ارتكبت من أبريل الى ديسمبر 2023 .
42% من الاعتداءات المذكورة وقعت في شمال دارفور ( كتم و طويلة )......18 % وسط دارفور .....18 % بالخرطوم و 22% غير محدد الأماكن.
و من ديسمبر حتى فبراير 2024 وقعت 56 حالة اغتصاب تفاصيلها كالاتي ....مدنى أعلى نسبة 48% .......شمال دارفور 34 %.....الخرطوم 12% .....6% مدن أخرى. تلك هي فقط جرائم الاغتصاب الموثقة و يعتبر العدد الفعلي أكثر من ذلك بكثير
لتبيان مدى بشاعة هذه الجريمة و تأثيراتها اللاحقة على الضحية سوف أورد ثلاث إفادات لضحايا أدلوا بها لإذاعة البى بي سي....بالطبع الأسماء حركية حفاظا على حياتهن وكنموذج :
كلثوم
خرجت كعادتها من أحد أحياء الجنينة للبحث عن حطب الوقود خارج نطاق الحى، أعترض طريقها أربعة من الجنجويد و تحت تهديد السلاح اقتادوها تحت شجرة و تناوبوا على اغتصابها ....تقول كلثوم و هي تبكى ( كانوا وحشين للغاية تناوبوا على اغتصابي....اسمعوني كلمات نابية و عنصرية و طلبوا منى مغادرة المدينة ).
ابتسام
قالت ابتسام التي تعيش بمدينة الثورة بأمدرمان و البالغة من العمر 24 عاما....( خرجت من المنزل للذهاب الى منزل خالتي بالجوار قابلني ثلاث من الجنجويد....سألوني عن وجهتي....قلت لهم انى في طريقي الى بيت خالتي.....قالوا لي انت تتبعين لاستخبارات الجيش .....اجبروني على ركوب سيارة تحت تهديد السلاح.....ثم أخذوني الى منزل تناوبوا على اغتصابي.....ثم أخذوني بعد ذلك و القوا بي في الشارع ) لم أخبر اسرتى بما حدث حتى اليوم.
ابتسام الأخرى من مدينة الخرطوم
اقتحموا منزلهم في حوالى الخامسة ظهرا ثلاث عناصر من مليشيا الجنجويد ( شقيقي كان قد خرج للبحث عن طعام تناوبوا على اغتصابي ).
التأثيرات اللاحقة على الضحية متنوعة و مدمرة و هي تشمل الاكتئاب....القلق و التوتر و كثيرون من الضحايا يلجئون الى الانتحار اذا لم يجدوا العلاج النفسي، السند العائلي و الاجتماعي.
وتشير منظمة الصحة العالمية الى أن العنف قد توثر سلبا على صحة الضحية البدنية ، النفسية و الجنسية و قد يتسبب في عدد من الأمراض التناسلية. و الضحية في العادة تحتاج الى علاج نفسى طويل المدى.
3
جرائم الاغتصاب تجرمها وتدينها كل القوانين في جميع دول العالم بما فيها الاتفاقيات الدولية. و لبشاعة تلك الجريمة فقد شددت لها العقوبة التي نجدها في بعض الأحيان تصل الى الأعدام في بعض الدول.
حظيت جريمة الاغتصاب باهتمام فقهاء القانون الدولي وافردت لها لها كثير من الاتفاقيات الدولية التي قامت بتجريمها و يمكن حصرها في الآتي :
- اتفاقيات جنيف لعام 1949
- البروتكولات الإضافية لاتفاقيات جنيف لعام 1977
- اتفاقية سيدوا و هي اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
- نظام روما الأساسي 1998 الذى يعتبر الاغتصاب و العنف الجنسي أثناء النزاعات المسلحة جريمة ضد الإنسانية. قد قضت محكمة ( رواند ) الجنائية الدولية في حكمها في قضية ( أكاسيو ) و هو أحد القادة المدنيين من طائفة الهوتو عن أفعال أفعال الاغتصاب الهوتو ضد التوتسى ( بأنها تشكل جريمة إبادة الجنس البشرى طالما ارتكبت بهدف القضاء على الجماعة) و قد استرشدت بتلك السوابق المحكمة الجنائية في سيراليون في أدانتها أيضا لمرتكبي جرائم الاغتصاب. جرائم المرتكبة من قبل مليشيات الجنجويد في دارفور تصنف من الجرائم التي تهدف الى القضاء على الجماعة بتغيير العرق يمكن كما إدانتهم وفقا لهذه السوابق.
- القرارات الصادرة من مجلس الأمن رقم 1325 لعام 2000 و القرار رقم 1820 لعام 2008 و هما يستهدفان حماية المرأة من العنف الجنسي ابان النزاعات المسلحة كما يحدث في السودان اليوم.
في السودان يجرم قانون العقوبات السوداني ل 1991 جريمة الاغتصاب و التحرش و هي منصوص عليها في المواد 149 – 151 ، كما أصبحت جريمة الاغتصاب تعاقب بالسجن المؤبد وفق التعديل الذى تم في 22 أبريل 2020 و قد نشر التعديل في الجريدة الرسمية لحكومة السودان بالعدد 1904 الصادر بتاريخ يوليو 2020 و أصبح واجب التنفيذ.
4
مسائل يجب الانتباه لها
جرائم الاغتصاب وقت الحروب و النزعات و استخدامها كسلاح جريمة لا يمكن أن تغتفر كما يصعب التنازل عنها ، كما ان من ضمن الأسباب التي أدت الى مواصلة ممارستها كسلاح في الحرب الدائرة اليوم، هو أن الذين من قاموا بارتكابها سابقا لم تطالهم سيف العدالة خاصة جرائم اغتصاب دارفور، كما نشاهد المجرمين الذين ارتكبوا تلك الجرائم لا زالوا مطلوقى السراح ،لذلك يتواصل ارتكاب الجريمة دون الخوف من العقاب. هنالك بعض المسائل الضرورية التي تستوجب الالتفات اليها و يمكن أن أوردها باختصار خوف التطويل.
1- التوثيق الممنهج من مؤسسات حقوق الانسان لحوادث الاغتصاب
2- تسهيل إجراءات بلاغات الاغتصاب المنصوص عنها قانونا، لصعوبة تحقيقها في ظروف الحرب، و منها استثناء ملأ أرونيك ثمانية و الاختصاص المكاني، ذلك للنزوح الدائم للضحايا خوفا من مآلات الحرب.
3- تسجيل كل وقائع حالات الاغتصاب التي تصل الى مسامعنا للاستفادة بها لاحقا في فتح البلاغات فمهما طال أمد هذه الحرب فهي سوف تنتهى يوما و يجب الا يفلت مجرمو الحرب من العقاب.
ذلك ما وددنا تسجيله ....يجب أن تقف الحرب فورا
عدنان زاهر
أكتوبر 2024
تعليقات