" اليَانكِيُون " الجدد و العدالة الدولية !
- Adnan Zahir
- 27 أغسطس
- 4 دقيقة قراءة
1
الكثير من الغضب، الحزن ثم المعارضة مرتفعة الصوت من جانب المهتمين بشئون العدالة و القانون الدولي ضد الهجمة الشرسة غير الناضجة و المتعسفة ، التي تقودها الولايات المتحدة حاليا ضد العدالة الدولية. فقد أصدرت الحكومة الفيدرالية الامريكية بتاريخ 20 أغسطس 2025 قرارا بفرض عقوبات على أربعة مسئولين في المحكمة الجنائية الدولية و هم على التوالي :
القاضية الكندية " كيمبرلى بروست " و هي قاضية دائرة ابتدائية و هي احدى الدوائر الثلاثة المكونة للمحكمة الجنائية الدولية والتي تشمل اضافة الى هذه الدائرة ، الدائرة التمهيدية و دائرة الاستئناف. الدائرة الابتدائية هي المرحلة التي تتم فيها المحاكمة للمتهمين و تشمل الاستماع للشهود، نظر الطلبات و اصدار الاحكام للقابلة للطعن او الاستئناف.
القاضي " نيكولاي ريان غيلو " من فرنسا و هو أيضا قاضى محكمة ابتدائية، الى جانب هؤلاء هنالك مدعيان الأولى " نزهت شميم خان " من " فيجي " و " مانديانج نيانج " من " السنغال " ، و مهمة المدعى هي جمع الأدلة ، تقديم طلبات التعاون، اصدار أوامر القبض و الاستدعاء الى جانب مراقبة الإجراءات.
سببت الحكومة الأمريكية قرار العقوبات التي فرضته على مسئولي الجنائية، بأنهم شاركوا في التحقيق في أنشطة لمواطنين أمريكيين و إسرائيليين أدت الى صدور قرار باعتقال رئيس وزراء إسرائيل ( ناتنياهو ) ووزير دفاعه ( يواف غانيت ). العقوبات تشمل تجميد أي أصول لهم في أمريكا، منعهم من التعاون المالي الأمريكي و حظر دخولهم الى الولايات المتحدة، كما استندت الإدارة الأمريكية في اصدار هذا القرار المجحف، على الامر التنفيذي بالرقم 14203 الصادر في فبراير 2025 .
القرار في رأى هو امتداد للقرارات العدوانية التي داومت أمريكا على اتخاذها ضد المحكمة الجنائية الدولية ابتداءاً بسحب توقيعها و رفض التصديق على ميثاق روما ، مروراً بقرار( جورج دبليو بوش ) في العام 2002 بعدم التعاون مع المحكمة، و من ثم أعقبه قرار ( ترمب ) في العام 2020 ضد ( فاتو بنسودا ) المدعية العامة " غامبيا " و أحد رؤساء الأقسام و يدعى ( فاخيسو موسوكوا ) من " ليسوتو "، باعتبارهما كانا قائدين للتحقيق مع الجنود الامريكان في أفغانستان و الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية. وكالعادة في بجاحه و عنجهية استندت الادارات الامريكية في قرارها على نفس الأسباب و الذرائع التي درجت على تكرارها، و هي حماية امريكا من تغول المحكمة، القضاء الأمريكي قادر على محاكمة مواطنيه ثم حماية السيادة الوطنية و الأمن القومي الأمريكي !!!
2
ازدواجية المعايير تجاه العدالة الدولية
المتابع لمواقف الولايات المتحدة اليوم تجاه العدالة الدولية، يجد أن مصالحها هي التي تحدد تلك السياسات و ترسم مسارها ، يحدث ذلك رغم انها كانت من أول الدول مع بريطانيا، فرنسا و الاتحاد السوفيتي من وضعوا اللبنة الأولى للعدالة الدولية .
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية و تحديدا بين الأعوام 1945 و 1949 قد قامت الدول المنتصرة في الحرب و هي الاتحاد السوفيتي ، بريطانيا و فرنسا بتكوين محاكم خاصة لمحاكمة القادة الألمان الذين ارتكبوا جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية ، وكانت المبادئ التي أرستها تلك المحاكم أي محاكم ( نورمبرج ) هي الأساس لبعض الجرائم المضمنة حاليا في ميثاق روما أو ميثاق المحكمة الجنائية الدولية، مثل جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانية و جرائم الإبادة الجماعية.
ليس ذلك فقط ، فقد واصلت الولاية المتحدة بعد تلك المحاكم المشتركة محاكمها الخاصة، لتحاكم الأطباء الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية ، القضاة و المحامين الذين ساعدوا في تقنين تلك الجرائم ثم الرأسمالين الذين ساهموا في تمويل آلة الحرب، بعد كل هذه المواقف و بعد مضى ستين عاما تأتى الولايات المتحدة لتنكص عن كل تلك الإنجازات و لتقف الى جانب جنودها الذين ارتكبوا جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية في أفغانستان، بل فوق ذلك الدفاع عن الجنود الإسرائيليين المرتكبين لجرائم الإبادة الجماعية و جرائم ضد الإنسانية ضد الفلسطينيين العزل في " غزة " .....و للمفارقة المزعجة هي نفس الجرائم التي ارتكبتها النازية تجاههم في محارق " الهولوكوست " !!!
موقف أمريكا ما هو الا تجسيد للمثل اللاتيني القديم الذى يقولا ( ما هو مسموح لجوبيتر غير مسموح للثور ) !.....بمعنى ان المعايير التي تطبق على الأقوياء لا تطبق على الضعفاء !!
3
تداعيات تلك القرارات
القرارات الأمريكية بشأن المحكمة الجنائية الدولية لها تداعياتها اللاحقة التي تشمل المحكمة الجنائية، العدالة الدولية بشكل عام ومن ثم المجتمع الدولي و يمكن تلخيصها في الآتي :
أولا : انها تعمل للـتأثير على العاملين بالمحكمة و ابتزازهم بقصد التأثير المباشر عليهم، خاصة فيما يتعلق بتجميد أصولهم المالية و التعامل المالي الأمريكي ، و كما نعلم ان معظم التعاملات الدولية تتم بالدولار الأمريكي و ذلك يشكل أداة ضغط شديدة على هؤلاء الأعضاء.
ثانيا : هذا الموقف يشجع مرتكبي الجرائم الدولية وجرائم حقوق الانسان ،من الإفلات من العقاب مثل جنود أمريكا العائدين من أفغانستان او الجنود الإسرائيليين.
ثالثا : هذه القرارات تعمل على تقويض نظام العدالة الدولي و تضعف الثقة في قراراته.
رابعا : القرار يعمل على تشجيع الدول الأخرى لانتهاك حقوق الانسان و ارتكاب الجرائم التي تم تجريمها في ميثاق روما طالما يمكن الإفلات من العقاب، و ذلك مثل ما نشاهده الآن من طرفي حرب السودان من اعتقالات عشوائية ، تعذيب و قتل للمواطنين في غياب القانون
ان ما تقوم به أمريكا و إدارة " ترمب " هي " بلطجة " في مجال القانون الدولي يجب التصدي لها. ان المحكمة الجنائية الدولية هي مجهود الإنسانية الناضج الذى بذل فيه كثير من الجهد لوقف ومنع تكرار نزيف الدم في العالم، و يتم ذلك من خلال معاقبة مرتكبي تلك الجرائم..... يجب الوقوف ضد هذه القرارات الخاطئة و الجائرة و دعم الجنائية الدولية
عدنان زاهر
26 أغسطس 2025
مراجع:
عادل ماجد : المحكمة الجنائية الدولية و السيادة الوطنية
بعض مواقع الذكاء الاصطناعي
ندوة عقدت حول قرارات أمريكا بخصوص الجنائية في النت
توضيحات
اليانكى : الكلمة لها جذورها التاريخية متعددة المعنى و لكن في السياق هنا تعنى الأمريكي.
جوبتر : هو كبير الآلة عند الرومان و يمثل السلطة المطلقة.
الولايات المتحدة و روسيا و موقفهما من المحكمة الجنائية الدولية و هما الذين حاكموا النازية فى نورمبرج : أمريكا ليست عضوا في المحكمة، وقد سحبت أدارة الرئيس بوش توقيع أمريكا الذى تم ابان حقبة بل كلنتون 2000 .
روسيا هي الأخرى ليست عضوا في المحكمة فقد وقعت على ميثاق روما عام 2000 وصدقت عليه 2014 ثم سحبت توقيعها عندما اعتبرت المحكمة الجنائية ضم روسيا ل " جزيرة القرم " احتلالا.
تعليقات