الكراكة – مجموعة قصصية بقلم الكاتب ضياء الدين محمد السيد
- Adnan Zahir
- 6 أكتوبر 2022
- 4 دقيقة قراءة
فى السنوات الاخيرة صدرت كثيرا من الكتب الأدبية و الدراسات الجادة التى شكلت اضافة الى المكتبة السودانية و أغنتها،كما أعطت الثقافة السودانية دفعة جديدة كانت فى حوجة لها.بعض من هذه الكتابات نالت حظها بالنقد و الاضاءة مما شكل اضافة اليها و البعض الأخرلم يجد حظه من القراءة و التعليق لاسباب متعددة ليس هذا مجالها.
فى تقديرى من تلك الكتب المتميزة التى تستحق تناولها بالكتابة و التعليق عليها، مجموعة القصص القصيرة التى أصدرها القاص الدكتور ضياءالدين محمد السيد بعنوان " الكراكة ".أحاول هنا بشكل مبسط و مختصر التعرض لهذه المجموعة علها تجد ما تستحق من قراءة،نقد و اشادة.
تتكون المجموعة من اهداء،مقدمة و ثلاث عشر قصة فى كتاب تبلغ صفحاته الرابعة و الخمسين.تتناول المجموعة قضايا شتى، تتعلق بالواقع السودانى اجتماعيا،اقصاديا و سياسيا و تحاول سبر اغواره فى انسياب هادى،حبكة،بساطة و لغة غير مقعرة.عرض القاص أو الراوى لقصصه تجعل القارئ منهمكا فى التفكير بعد القراءة فى الأحداث التى لم يعرها انتباها من قبل خاصة اذا مرت به فى مسيرة الحياة دون ملاحظتها.
سأقوم بتقديم ثلاث نماذج من المجموعة لفتت انتباهى مع التعليق و هى:
الكراكة
صورة
كراسة و قلم و مساحة
وكم كنت أود أن أضيف اليها قصة " محنة محاسن بت جبر الدار "،" مجهول الهوية "، و " يعقوب "....
الكراكة- ص 17
القصة حملت أسم المجموعة وهى قصة تبدو قصة ساخرة لكن عميقة المحتوى و المضمون و هى باختصار ( تعطلت " كراكة " تعمل فى نظافة الترع من الحشائش و الطمى فى مشروع الجزيرة،حاولت المجموعة العاملة بالكراكة المكونه من ثلاث أشخاص اصلاحها لكنهم فشلوا فى ذلك.تصادف مرور أحدى الأشخاص و هو يسكن فى أحدى القري المجاورة لموقع تعطل الكراكة، فعرضوا عليها حراستها حتى فجر اليوم التالى حتى يعودوا و معهم المهندس لاصلاحها.لاقناعه بالقبول استخدموا كافة السبل بما فى ذلك استثارة واجبه و نخوته الوطنيه التى تحتم علية حماية اموال الدولة !!
استمرت الحراسة فى اليوم التالى و لكن هذه المرة بمقابل، حتى تم تعينه بسجلات الدولة حارسا رسميا للكراكة المعطلة.سكن الحارس بعد ذلك بقربها و قامت قرية فى الموقع سميت بقرية الكراكة التى لم يأتى أحدا بعد ذلك لاصلاحها.بعد تقاعده عمل ابنه حارسا للكراكة التى أصبحت رمزا للقرية و مزارا للضيوف ) !
من خلال أحداث القصة التى لا تقول شيئا علنا - تلك عظمتها – يصل القارئ المتشوق للأتى:
تنصل المهندس و العمال الثلاثة من اصلاح الكراكة و حراستها و ذلك من صميم مسئوليتهم.
استخدموا فى اقناع العامل أسلوبا و منهجا ديماجوجيا، شعارات فضفاضة بشكل يتعارض و مضمونها من أجل الوصول الى أهدافهم.
التبديد لاموال الدولة و ذلك يتمثل فى تعينهم حارسا لكراكة معطلة و عجزهم من اصلاحها.
التسيب،الاهمال و اللامبالاة تجاه المال العام.
ان الكثير من الأسماء التى تطلق من قبل المواطنين على المدن و القرى يكون فى حقيقة الأمر عكس لواقع الحال.
وفى نهاية الأمر يصل القارئ و هذا ما أراد قوله القاص أن الأزمة عميقة و جذورها ممتدة يجب الغوص تجاهها بعيدا فى الماضى، واعمال الذهن لاكتشاف الحلول لها.
الصورة – ص 34
قصة تحكى عن تجربة الرواى او القاص مع فتاة قابلها بالصدفة قى أحد مطاعم الوجبات السريعة و من ثم حواره معها حتى افترقا بمغادرتها المطعم، دون تعريف لنفسها.
فى الحقيقة هى من أكثر قصص المجموعة التى أعجبت بها،ليس فقط فى حبكتها و بساطتها و لكن لطرحها و مناقشتها لقضية من قضايا المرأة و نمط من تفكير لم يعتاده الرجل السودانى و لا يريد سماعه.
رغم محدودية حدث القصة لكن تفتح الباب واسعا للتفكير فى قضايا أخرى تخص المرأة فى الواقع الرجالى الذى يظلل المجتمع السودانى، بأن المرأة هى فريسة سهلة يمكن اقناصها متى اراد الرجل ذلك !!..و رغما بانه لا يجوز التعميم، لكن ذلك ذلك هو الشائع ساهمت فيه الثقافة السودانية المتأصلة مع نهج السلطة الحالى الذى يستهدف عودة المرأة الى عصر الحريم.
عبرت فتاة القصة سامية و أختذلت رؤيتها و بجرأة فى عدة جمل أدهشت الراوى
( ما الذى يدفع رجلا مثلك تلبية طلب لأمرأة لا يعرفها فى أول مرة يقابلها فيها ) !
( ربما تكون هنالك بعض الدوافع )!
( كونى أمرأة شابة و جميلة و أهم شئ وحيدة )!
( يريدون المرأة حتى أن يعرفو من هى )!
ذلك نمط من حوار لم يتعود عليه الرجل السودانى،بل يستفزه ليقوده تلقائيا الى تصنيف المتحدثة فى خانة " قلة الأدب " و نقص الحياء، حسب التصنيف و القوالب الموروثة فى الثقافة السودانية !
طرح القاص له بتلك الحدة هو " عضم قصير " هذه القصة،ليس فقط لأنه صادم و لكن باعتباره يعرى ذواتنا.نهاية القصة تتناسب تماما مع مع تلقائيتها.هى مرآة صادمة دون تزويغ أو رتوش.
كراسة و قلم و مساحة – ص 46
هى أيضا قصة رأئعة تتقطر انسانية و توصل القارئ الا ما يريد أن يقوله القاص، دون أن يفصح .....ذلك هو جمال القصة القصيرة عنما تفتح نوافذ مشرعة للتفكير و استخلاص النتائج.
( رجل فى مقتبل العمر تشى ملابسه بانه عامل بسيط،يخبر كمسارى الحافلة انه لا يملك قيمة المشوار.رغم الدهشة التى عمت الركاب الا انهم تدخلوا لحل المشكلة.عند نزوله فى محطته يندلق الكيس الذى يحمله لتخرج من امعاءه قطع من خضروات مع كيس " دكوة ".يتبعه الراوى عندما وجده يقف امام كشك لبيع الجرائد و الادوات المكتبية ليتأكد من مصداقية حديثه فى الحافلة.يسمع الراوى المتلصص ان الشخص بعد أعطى صاحب المكتبة قروش قليلة تعطى انطباع بانها أخر ما يملك،ان يعطيه كراس و قلم و مساحة )!
القصة بالطبع مليئة برمزيتها و نهايتها مفتوحة.....لكن أول ما يصل لذهن القارئ مدى الحال الذى وصل اليه المواطن السودانى !.....تقول القصة ذلك دون شعارات داوية ومن ثم تتعاطف مع ذلك الشخص رغم ادعاءه انه لا يملك قيمة أجرة المشوار.
ملاحظات لا بد من ايرادها
يلاحظ المتعمق فى نصوص هذا الكتاب الاقلال من استخدام الرمز وبشكل عام فى القصص المنشورة،و برغم ان استخدام الرمز بكثرة قد يفسد النص، لكنه فى بعض الاخيان ضرورى لازالة رتابة الحكى العمودى و محفز للتفكير.
اللغة عامل مهم لايصال الافكار و باعث لحيوية النص،و برغم سلامة لغة القاص و التحكم فى الاسلوب الا انه لم يلجأ لاستخدام مفردات و جمله مستحدثة.عادية اللغة تفقد النص بهاءه.لابد من الجرأة و المغامرة فى الكتابة !
ملاحظة أخيرة،هنالك كثير من أخطاء الطباعة و هو عامل ينقص و يربك فهم النص.لعل الطببعة الثانية و التى لم اتحصل على نسخة منها قد تخلصت من ذلك العيب.
بالطبع الكتاب جهد يصدر من عين " شوافة "،نظرة انسانية عميقة و موقف متأصل فى الحياة دون زحزحة يلمسه القارئ فى سياق القصص الثلاثة عشر،هو فى تقديرى اضافة للمكتبة السودانية.
تعريف للقاص فى كلمات موجزة
هو البروفسير الدكتور ضياء الدين محمد السيد،من مواليد مدينة بربر و له العديد من من اقصص و الاوراق العلمية المنشورة كما صدر له كتاب آخر فى تخصصه.عميد كلية العلوم الطبية و التقنية بجامعة الزعيم الأزهرى.
تعليقات