top of page
بحث

الباخرة "البوردين " و الثورة !

  • Adnan Zahir
  • 30 يناير 2022
  • 4 دقيقة قراءة


لهذا المقال قصة أو لنقل مقدمة، كنت أجلس مع صديق الطفولة مساءا فى مطعمه المتواضع و الصغير فى الحى، الذى ترتاده طالبات جامعة القرآن الكريم لقربه من مكان سكنهم، أسعاره " المتهاودة " و المعاملة الأنسانية لعم أحمد كما يسمونه.جلست فى المطعم ذلك اليوم طالبتان يتناولن وجبة عشاء مبكر، بدأ عم احمد كعادته فى الدردشة معهن و محاولا اشراكى فى النقاش و الحديث الدائر بينهما.

عرفت أنهما فى السنة الثالثة قانون ( جامعة القرآن الكريم )، و انهن هذه الأيام فى غاية التعب من المذاكرة لاقتراب امتحان نهاية العام ، ينهضن فى الصباح الباكر للذهاب للمذاكرة بالقرب من الباخرة " البوردين " التى تقبع جوار النيل و حديقة " الريفيرا ". سألتهما مجاريا الدردشة هل يعرفن تاريخ الباخرة البوردين... اجابتا بالنفى، سألتهما مرة أخرى لتجاوز احراج الاجابة السابقة سؤالا كنت أعتقد انه سهل الاجابة .....هل يعرفن البطل على عبد اللطيف و ثورة 1924 فهزتا راسيهما نفيا.

اندهشت بالطبع، لكننى كنت أعلم حجم الدمار الذى الحقته حكومة الانقاذ ( الكيزان ) المبادة بالتعليم، فهى عملت طيلة ثلاثين عاما على تجهيل الطلاب بحذفها من المناهج كل المواد التى تقود و تؤدى الى توسيع مدارك التلاميذ و رفع مستوى الوعى، كما قامت من جانب آخر بحذف مواد التاريخ الوطنى مؤسسة بذلك لقطيعه بين الطالب و معرفته لتاريخ وطنه و من ثم محاولات دؤوبة للترسيخ فى عقول النشئ ان التاريخ يبدأ منذ بداية حكمهم.....الذى لفظه الشعب بعد ثلاثين عاما من الدجل و النفاق المتواصل.

سببا آخر دفعنى لتسطير هذا المقال هو الثورة التى تجرى أحداثها اليوم التى عمادها الشباب البواسل....... التضامن الذى حظيت به من كل فئات و قطاعات الجماهير فى مدن السودان المختلفة، ما عدا القوات الأمنية ( بمختلف تسمياتها ) التى تواصل بطشها و اغتيالها للشباب، الأطفال و النساء..... و للتذكير لمن يقومون بقمع المواطن بأن التاريخ يحكى بانحياز بعض رجال هذه المؤسسة جانب الشعب، و ليس العمل على ابادته كما يفعلون الآن !!!

بدأت احداث ثورة 1924 فى مايو من نفس العام بقيادة على عبداللطيف قائد جمعية اللواء الأبيض و رفاقه صالح عبد القادر، حسن شريف ،عبيد حاج الأمين و حسن صالح . أشتركت فيها جماهير الشعب السودانى بكل فئاته فى العاصمة المثلثة و كل مدن السودان المختلفة بشكل أدهش المستعمر وأكد ان كل حسابات عن خضوع الشعب السودانى كانت خطأ فادح.بالطبع لم يشذ من قاعدة الاجماع للثورة و من ثم معارضتها، غير الطائفية ممثلة فى على الميرغنى ، عبد الرحمن المهدى و الشريف الهندى و من ثم العمد و الأعيان و الادارات الأهلية الذين قدموا وثيقة الولاء للمستعمر.

تم أعتقال على عبد اللطيف فى 4 يوليو 1924 ، تمت محاكمته على عجل فى 11 يوليو و حكمت عليه المحكمة باعتباره محرضا و قائدا للثورة بثلاث اعوام سجنا.خرجت المظاهرات فى كل مدن السودان منددة بذلك الحكم و مطالبة باطلاق سراحه. ،صدرت المنشورات و أرسلت الاحتجاجات لصحف العالم رفضا لذلك الحكم غير العادل و المقصود به ازاحت و ابعاد القائد على عبداللطيف من المشهد السياسى.

فى يوم السبت الموافق 9 – 8 – 1924 فى الساعة السادسة و النصف صباحا خرج طلبة المدرسة الحربية فى الخرطوم بملابسهم الرسمية و هم يحملون السلاح و الذخيرة و كان تعدادهم 51 طالبا، توجهوا الى منزل على عبداللطيف و أدوا التحية العسكرية لأسرته و من ثم بعد ذلك توجهوا الى ميدان عباس ( الامم المتحدة ) حاليا و الجماهير ملتفة من حولهم تهتف ضد المستعمر. بعد ذلك توجه الطلبة الحربيين الى الى سرايا الحاكم العام ( قصر الرئاسة ) هاتفين و مستنكرين لاعتقال القائد على و من ثم اتجهوا الى سجن كوبر و أدوا التحية العسكرية للمعتقلين.

عند عودتهم الى الثكنات وجدوا أن الحكومة قد جردت السلاح من مخازن المدرسة و من ثم حاصرت المدرسة.تأهب الطلبة و استعدت القوات المحاصرة لهم لتبادل أطلاق النار، و لكن فى تلك اللحظات تدخل بعض الضباط السودانين، و اقناع الطلبة بتسليم أسلحتهم. بعد تسليم الطلبة لاسلحتهم قامت السلطة الأستعمارية باعتقالهم ووضعهم فى باخرتين منهما " البوردين " فى منتصف النيل الأزرق بين شاطئ مصلحة الوابورات " النقل النهرى "حاليا و كلية غردون " جامعة الخرطوم "حاليا.

كان الطلبة الحربين المعتقلين فى البواخر يصدحون و ينشدون الأناشيد التى تمجد الوطن....مثل ( يا أم ضفاير قودى الرسن و أهتفى فليحا الوطن ) لعبيد عبد النور، و أغنية خليل فرح الوطنية ( نحن و نحن الشرف الباذخ – دابى الكر شباب النيل ).أصبح مواطنى العاصمة المثلثة يتجمعون على شاطئ النهر و مشاركين الطلبة اناشيدهم و هتافاتهم مما دفع بالسلطة الأستعمارية استخدام العنف الغاشم لمنعهم المجئ للتضامن مع الطلبة و دعم الثورة.

قدم الطلبة الحربين البالغ تعدداهم 51 الى محكمة بتاريخ 27 – 8 - 1924 تحت تهمة ( الخروج فى مظاهرة مددجين بالسلاح و مقاومة السلطة ). تمت محاكمتهم جميعا بالسجن فترات أقصاها خمس سنوات و رحلوا الى سجن كوبر،بعد البقاء فترة من الزمن داخل السجن صدر العفو عن البعض منهم.

أن مواقف الشباب اليوم فى ثورتهم ضد انقلاب البرهان و مقاومتهم للبطش و القتل التى تقوم به القوات الأمنية و مطالبتهم بالديمقراطية و الدولة المدنية ليست بمعزل عن ذلك التاريخ، بل فى حقيقة الأمرهو أمتداد لمواقف اولئك الرجال...... ثوار اليوم لهم جذور راسخة فى الأرض ترجع الى ثوار 1924 .


28- 2 – 2022


مراجع
ملامح من المجتمع السودانى – حسن نجيلة
ثورة 1924 دراسة ووقائع – د احمد ابراهيم دياب
الباخرة البوردين: قامت هئية الأثار ببناء حوض بالقرب من الطابية و حديقة الريفيرا ووضعها فيه باعتبارها من الأثار التى تؤرخ لتاريخ الوطن.أما
الباخرة الثانية التى تم فيها حبس الطلاب و - كما علمت- فقد جرى تفكيكها بدعوى عدم صلاحيتها !

 
 
 

المنشورات الأخيرة

إظهار الكل
مهرجان تورنتو السينمائي 2025

TIFF تجرى في مدينة تورنتو في الرابع  و حتى الرابع عشر من هذا الشهر – سبتمبر، فَعالية مهرجان تورنتو السينمائي المعروف باسم ( تِف ). في هذا...

 
 
 
جزيرة ( ساونا )

Saona  Island 4   تقع ( جزيرة ساونا ) عند الطرف الجنوبي الشرقي للدومنيكان داخل البحر الكاريبي، و تعتبر جزء من منتزه الشرق الوطني.  للقيام...

 
 
 

تعليقات


bottom of page